كنت مع صديقي نتحدث عن أدب الحوار، وإنه إذا نصحتني أمام الملأ فقد فضحتني، وإذا نصحتني أمام 6 أعين فقد نصحتني، فقال لي: ماذا تقصد بستة أعين؟ فقلت له :أما العينان الأربع، فعينيا، وعينيك ، وأما الاثنتان الأخريان فعيني الرحمان الاثنتان الحقيقيتان؛ لأنه سبحانه له عينان اثنتان حقيقيتان بلا تشبيه ولا تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل ولا تأويل ولا تحريف، والله يرانى بعينيه الاثنتين الحقيقيتين ، واستدللت بقول ربي سبحانه: ( مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا) الآيات. فهل ما فعلته على ما يرام ؟ أنا من أهل السنة ـ والحمد لله تعالى ـ ، لكن قبل ما أتكلم أسأل العلماء؛ لأنني أخاف خوفا عظيما أن يوجد شيء خالفت أهل السنة فيه .
الحمد لله.
أولًا :
أهل السنة يثبتون صفة "العين" لله تعالى ، وهي عندهم : " صفةٌ ذاتيةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجلَّ بالكتاب والسنة ، وأهل السنة والجماعة يعتقدون أنَّ الله يبصر بعين ، كما يعتقدون أن ، الله عَزَّ وجلَّ له عينان تليقان به؛ (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) الشورى/11 .
الدليل من الكتاب :
1- قوله تعالى : وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا هود/37 .
2- وقوله : وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي طه/39 .
3- وقوله : وَاصْبِرْ لِحُكمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا الطور/48.
الدليل من السنة :
1- روى أبو داود (13/37)" - عون" بإسناد حسن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : " أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية (إِنَّ الله كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) ، فَوَضَعَ إبْهَامَهُ عَلَى أذنه ، والتي تليها على عينيه" .
2- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " ذُكِرَ الدَّجَّالُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَخْفَى عَلَيْكُمْ، إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عَيْنِهِ - وَإِنَّ المَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ العَيْنِ اليُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ رواه البخاري (7407).
قال ابن خزيمة في "كتاب التوحيد" (1/97) بعد أن ذكر جملة من الآيات
تثبت صفة العين : " فواجب على كل مؤمن : أن يثبت لخالقه وبارئه ما ثبَّت الخالق البارئ لنفسه من العين ، وغير مؤمن من ينفي عن الله تبارك وتعالى ما قد ثبَّته الله في محكم تَنْزيله، ببيان النبي صلى الله عليه الذي جعله الله مبيِّناً عنه عَزَّ وجلَّ في قوله : وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ .
فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن لله عينين ، فكان بيانه موافقاً لبيان محكم التَنْزيل ، الذي هو مسطور بين الدفتين ، مقروء في المحاريب والكتاتيب" .
وقال (1/114) : "نحن نقول : لربنا الخالق عينان يبصر بهما ما تحت الثرى وتحت الأرض السابعة السفلى ، وما في السماوات العلى ... " انتهى .
وبوَّب الَّلالَكَائي في "أصول الاعتقاد" "(/412) بقوله : "سياق ما دل من كتاب الله عَزَّ وجلَّ وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على أن من صفات الله عَزَّ وجلَّ الوجه والعينين واليدين" انتهى .
وقال الشيخ عبد الله الغنيمان في "شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري" (1/285) : "قوله : "إن الله ليس بأعور" : هذه الجملة هي المقصودة من الحديث في هذا الباب؛ فهذا يدل على أن لله عينين حقيقة؛ لأن العور فقدُ أحد العينين أو ذهاب نورها" . انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في "عقيدة أهل السنة والجماعة" (ص 12) : "وأجمع أهل السنة على أن العينين اثنتان ، ويؤيده قول النبي صلى الله عليه وسلم في الدجَّال : "إنه أعور ، وإن ربكم ليس بأعور" " انتهى .
وله -رحمه الله- إجابة مطولة حول هذه الصفة ، وإثبات أن لله عينين في "مجموع الفتاوى" (3/41-50 - الطبعة الأولى) ؛ فلتراجع.
وانظر كلام البغوي في صفة "الأصابع" ، وكلام ابن كثير في صفة "السمع" " ، انتهى ، نقلًا عن "صفات الله" للشيخ علوي السقاف" (260 - 262).
وينظر جواب السؤال رقم : (145166).
ثانيًا :
الذي نراه أن ما تكلمت به مع صاحبك : تكلف ، لا حاجة له .
نعم، نثبت صفة العين لله جل جلاله ، على ما يليق بوجهه ، ونقول أيضا : إنهما عينان اثنتان، لا أنها عين واحدة، ولا نمسك عن ذكر التثنية فيهما ، لظهور ذلك ، على ما سبق تقريره ، وقد نقل إجماع أهل السنة على إثبات التثنية فيهما، غير واحد من أهل العلم.
ومن آثار ذلك على العبد في مسلكه: أن يكون جهده وسعيه في ألا يراه الله جل جلاله حيث نهاه، وأن يراه حيث أمره، وأن يسعى في تحصيل ما يحب أن يراه الله من عبده، وأن يحذر من كل ما يحرمه من نظر الله الكريم، ويحرمه من تلك المنقبة.
لكن: أن تذكر ذلك في سياق الجمع، بين عينيك، وعيني صاحبك، وعيني الرحمن جل جلاله، ففيه من التكلف والسماجة، وتقصد الإغراب ما لا يخفى ، ولذلك احتاج صاحبك إلى سؤالك عن هذه "الستة" ، واحتجت أن تشرح له، ثم تردف ذلك بذكر محترزات أهل السنة في باب الصفات.
وكل ذلك لا حاجة له ، بل يكفيك أن تذكر له أدب النصيحة، والفرق بينها وبين الفضيحة، أو التعيير، على ما ذكره أهل العلم في الباب؛ دون حاجة إلى كل ما ذكرته.
ولذلك، نحن ننصحك بترك ذلك وأمثاله من التكلفات، والاقتصار على الواضح المستعمل، والدائر على ألسنة أهل العلم، والمنقول عن السلف الصالح، وهذا كله لا نعلمه في مقالتك التي قلتها.
والله أعلم.