ما هي مفسدات الصيام؟ وما هي أنواع المفطرات؟ وما هي الأشياء التي لا تفطر؟
الحمد لله.
أنواع المفطرات
فقد شرع الله تعالى الصوم على أتم ما يكون من الحكمة.
فأمر الصائم أن يصوم صوماً معتدلاً، فلا يضر نفسه بالصيام، ولا يتناول ما يضاد الصيام.ولذلك كانت المفطرات على نوعين:
فمن المفطّرات ما يكون من نوع الاستفراغ كالجماع والاستقاءة والحيض والاحتجام، فخروج هذه الأشياء من البدن مما يضعفه، ولذلك جعلها الله تعالى من مفسدات الصيام، حتى لا يجتمع على الصائم الضعف الناتج من الصيام مع الضعف الناتج من خروج هذه الأشياء فيتضرر بالصوم. ويخرج صومه عن حد الاعتدال.
ومن المفطرات ما يكون من نوع الامتلاء كالأكل والشرب. فإن الصائم لو أكل أو شرب لم تحصل له الحكمة المقصودة من الصيام. "مجموع الفتاوى" (25/248)
وقد جمع الله تعالى أصول المفطرات في قوله:
فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ (البقرة/187).
فذكر الله تعالى في هذه الآية الكريمة أصول المفطرات، وهي الأكل والشرب والجماع.
وسائر المفطرات بينها النبي صلى الله عليه وسلم في سنته.
ومفسدات الصيام (المفطرات) سبعة. وهي:
1- الجماع.
2- الاستمناء.
3- الأكل والشرب.
4- ما كان بمعنى الأكل والشرب.
5- إخراج الدم بالحجامة ونحوها.
6- القيء عمداً.
7- خروج دم الحيض أو النفاس من المرأة.
فأول هذه المفطرات: الجماع
وهو أعظم المفطرات وأكبرها إثما.
فمن جامع في نهار رمضان عامدا مختارا بأن يلتقي الختانان، وتغيب الحشفة في أحد السبيلين، فقد أفسد صومه، أنزل أو لم يُنزل، وعليه التوبة، وإتمام ذلك اليوم، والقضاء والكفارة المغلظة، ودليل ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: وَمَا أَهْلَكَكَ ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ. قَالَ: هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً ؟ قَالَ: لا. قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ؟ قَالَ: لا. قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ؟ قَالَ: لا... الحديث رواه البخاري (1936) ومسلم (1111).
ولا تجب الكفارة بشيء من المفطرات إلا الجماع.
وثاني المفطرات: الاستمناء
وهو إنزال المني باليد أو نحوها.
والدليل على أن الاستمناء من المفطرات: قول الله تعالى في الحديث القدسي عن الصائم: يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي رواه البخاري (1894) ومسلم (1151). وإنزال المني من الشهوة التي يتركها الصائم.
فمن استمنى في نهار رمضان وجب عليه أن يتوب إلى الله، وأن يُمسك بقية يومه، وأن يقضيه بعد ذلك.
وإن شرع في الاستمناء ثمّ كفّ ولم يُنزل فعليه التوبة، وصيامه صحيح، وليس عليه قضاء لعدم الإنزال، وينبغي أن يبتعد الصائم عن كلّ ما هو مثير للشهوة وأن يطرد عن نفسه الخواطر الرديئة.
وأما خروج المذي فالراجح أنه لا يُفطّر.
الثالث من المفطرات: الأكل أو الشرب
وهو إيصال الطعام أو الشراب إلى المعدة عن طريق الفم.
وكذلك لو أدخل إلى معدته شيئاً عن طريق الأنف فهو كالأكل والشرب.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: وَبَالِغْ فِي الاسْتِنْشَاقِ إِلا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا رواه الترمذي (788). وصححه الألباني في صحيح الترمذي (631).
فلولا أن دخول الماء إلى المعدة عن طريق الأنف يؤثر في الصوم لم يَنْهَ النبيُ صلى الله عليه وسلم الصائمَ عن المبالغة في الاستنشاق.
الرابع من المفطرات: ما كان بمعنى الأكل والشرب
وذلك يشمل أمرين:
1- حقن الدم في الصائم، كما لو أصيب بنزيف فحقن بالدم، فإنه يفطر لأن الدم هو غاية الغذاء بالطعام والشراب.
2- الإبر (الحقن) المغذية التي يُستغنى بها عن الطعام والشراب، لأنها بمنزلة الأكل والشرب. الشيخ ابن عثيمين "مجالس شهر رمضان" (ص 70).
وأما الإبر التي لا يُستعاض بها عن الأكل والشرب ولكنها للمعالجة كالبنسلين والأنسولين أو تنشيط الجسم أو إبر التطعيم فلا تضرّ الصيام سواء عن طريق العضلات أو الوريد. "فتاوى محمد بن إبراهيم" (4/189). والأحوط أن تكون كل هذه الإبر بالليل.
وغسيل الكلى الذي يتطلب خروج الدم لتنقيته ثم رجوعه مرة أخرى مع إضافة مواد كيماوية وغذائية كالسكريات والأملاح وغيرها إلى الدم يعتبر مفطّرا. "فتاوى اللجنة الدائمة" (10/19).
المفطر الخامس: إخراج الدم بالحجامة
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ رواه أبو داود (2367) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (2047).
وفي معنى إخراج الدم بالحجامة التبرع بالدم لأنه يؤثر على البدن كتأثير الحجامة.
وعلى هذا لا يجوز للصائم أن يتبرع بالدم إلا أن يوجد مضطر فيجوز التبرع له، ويفطر المتبرع، ويقضي ذلك اليوم. ابن عثيمين "مجالس شهر رمضان" (ص 71).
ومن أصابه نزيف فصيامه صحيح، لأنه بغير اختياره. "فتاوى اللجنة الدائمة" (10/264).
وأما خروج الدم بقلع السن أو شق الجرح أو تحليل الدم ونحو ذلك فلا يفطر لأنه ليس بحجامة ولا بمعناها إذ لا يؤثر في البدن تأثير الحجامة.
المفطر السادس: التقيؤ عمداً
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ. رواه الترمذي (720) صححه الألباني في صحيح الترمذي (577).
ومعنى ذرعه أي غلبه.
وقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى إبْطَالِ صَوْمِ مَنْ اسْتَقَاءَ عَامِدًا اهـ . "المغني" (4/368).
فمن تقيأ عمدا بوضع أصبعه في فمه، أو عصر بطنه، أو تعمد شمّ رائحة كريهة، أو داوم النظر إلى ما يتقيأ منه، فعليه القضاء.
وإذا راجت معدته لم يلزمه منع القيء لأن ذلك يضره. "مجالس شهر رمضان" ابن عثيمين (ص 71).
المفطر السابع: خروج دم الحيض والنفاس
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ. رواه البخاري (304).
فمتى رأت المرأة دم الحيض أو النفاس فسد صومها ولو كان قبل غروب الشمس بلحظة.
وإذا أحست المرأة بانتقال دم الحيض ولكنه لم يخرج إلا بعد غروب الشمس صح صومها، وأجزأها يومها.
والحائض أو النفساء إذا انقطع دمها ليلا فَنَوَت الصيام ثم طلع الفجر قبل اغتسالها فمذهب العلماء كافة صحة صومها. "الفتح" (4/148).
والأفضل للحائض أن تبقى على طبيعتها، وترضى بما كتب الله عليها، ولا تتعاطى ما تمنع به الدم، وتقبل ما قَبِل الله منها من الفطر في الحيض والقضاء بعد ذلك، وهكذا كانت أمهات المؤمنين، ونساء السلف. "فتاوى اللجنة الدائمة" (10/151).
بالإضافة إلى أنه قد ثبت بالطبّ ضرر كثير من هذه الموانع وابتليت كثير من النساء باضطراب الدورة بسبب ذلك، فإن فعلت المرأة وتعاطت ما تقطع به الدم فارتفع وصارت نظيفة وصامت أجزأها ذلك.
فهذه هي مفسدات الصيام. وكلها -ماعدا الحيض والنفاس- لا يفطر بها الصائم إلا بشروط ثلاثة:
- أن يكون عالما غير جاهل.
- ذاكرا غير ناس.
- مختارا غير مُكْرَه.
وللفائدة نذكر بعض الأشياء التي لا تفطر:
الحقنة الشرجية وقطرة العين والأذن وقلع السنّ ومداواة الجراح كل ذلك لا يفطر. "مجموع فتاوى شيخ الإسلام". (25/233، 25/245).
الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان لعلاج الذبحة الصدرية وغيرها إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.
ما يدخل المهبل من تحاميل (لبوس)، أو غسول، أو منظار مهبلي، أو إصبع للفحص الطبي.
إدخال المنظار أو اللولب ونحوهما إلى الرحم.
ما يدخل مجرى البول للذكر أو الأنثى، من قثطرة (أنبوب دقيق) أو منظار، أو مادة ظليلة على الأشعة، أو دواء، أو محلول لغسل المثانة.
حفر السن، أو قلع الضرس، أو تنظيف الأسنان، بالسواك أو فرشاة الأسنان، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.
المضمضة، والغرغرة، وبخاخ العلاج الموضعي للفم إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.
غاز الأكسجين وغازات التخدير (البنج) ما لم يعط المريض سوائل (محاليل) مغذية.
ما يدخل الجسم امتصاصاً من الجلد كالدهونات والمراهم واللصقات العلاجية الجلدية المحملة بالمواد الدوائية أو الكيميائية.
إدخال قثطرة (أنبوب دقيق) في الشرايين لتصوير أو علاج أوعية القلب أو غيره من الأعضاء.
إدخال منظار من خلال جدار البطن لفحص الأحشاء أو إجراء عملية جراحية عليها.
أخذ عينات (خزعات) من الكبد أو غيره من الأعضاء ما لم تكن مصحوبة بإعطاء محاليل.
منظار المعدة إذا لم يصاحبه إدخال سوائل (محاليل) أو مواد أخرى.
دخول أي أداة أو مواد علاجية إلى الدماغ أو النخاع الشوكي.
والله تعالى أعلم.
المراجع:
انظر "مجالس رمضان للشيخ ابن عثيمين"