ما النص الأصلي لحديث “لا عدوى في الدين” و ما هو المقصود به؟
العدوى انتقال المرض من المريض إلى الصحيح، وكما يكون في الأمراض الحسية يكون أيضا في الأمراض المعنوية الخلقية، ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن جليس السوء كنافخ الكير؛ إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة كريهة. فقوله (لا عدوى) يشمل الحسية والمعنوية، وإن كانت في الحسية أظهر. وقوله (ولا طيرة) الطيرة هي التشاؤم بمرئي أو مسموع أو معلوم.
الحمد لله.
حديث “لا عدوى” مروي بألفاظ، منها:
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (قوله صلى الله عليه وسلم: لا عدوى. لا نافية للجنس، ونفي الجنس أعم من نفي الواحد والاثنين والثلاثة؛ لأنه نفي للجنس كله، فنفي الرسول صلى الله عليه وسلم العدوى كلها.
والعدوى انتقال المرض من المريض إلى الصحيح، وكما يكون في الأمراض الحسية يكون أيضا في الأمراض المعنوية الخلقية، ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن جليس السوء كنافخ الكير؛ إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة كريهة.
فقوله: (لا عدوى) يشمل الحسية والمعنوية، وإن كانت في الحسية أظهر.
قوله: (ولا طيرة) الطيرة هي التشاؤم بمرئي أو مسموع أو معلوم.
قوله: (ولا هامة). الهامة؛ بتخفيف الميم فسرت بتفسيرين:
قوله: (ولا صفر). قيل: إنه شهر صفر، كانت العرب يتشاءمون به ولاسيما في النكاح.
وقيل: إنه داء في البطن يصيب الإبل وينتقل من بعير إلى آخر، وعلى هذا؛ فيكون عطفه على العدوى من باب عطف الخاص على العام.
… والأقرب أن صفر يعني الشهر، وأن المراد نفي كونه مشؤوما؛ أي: لا شؤم فيه، وهو كغيره من الأزمان يقدر فيه الخير ويقدر فيه الشر.
وهذا النفي في هذه الأمور الأربعة ليس نفيا للوجود؛ لأنها موجودة، ولكنه نفي للتأثير؛ فالمؤثر هو الله، فما كان منها سببا معلوما؛ فهو سبب صحيح، وما كان منها سببا موهوما؛ فهو سبب باطل، ويكون نفيا لتأثيره بنفسه إن كان صحيحا، ولكونه سببا إن كان باطلا.
فقوله: (لا عدوى): العدوى موجودة، ويدل لوجودها قوله صلى الله عليه وسلم: “لا يورد ممرض على مصح” أي: لا يورد صاحب الإبل المريضة على صاحب الإبل الصحيحة؛ لئلا تنتقل العدوى.
وقوله صلى الله عليه وسلم: فر من المجذوم فرارك من الأسد والجذام مرض خبيث معد بسرعة ويتلف صاحبه؛ حتى قيل: إنه الطاعون؛ فالأمر بالفرار من المجذوم لكي لا تقع العدوى منه إليك، وفيه إثبات لتأثير العدوى، لكن تأثيرها ليس أمرا حتميا، بحيث تكون علة فاعلة، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالفرار، وأن لا يورد ممرض على مصح من باب تجنب الأسباب لا من باب تأثير الأسباب نفسها؛ فالأسباب لا تؤثر بنفسها، لكن ينبغي لنا أن نتجنب الأسباب التي تكون سببا للبلاء؛ لقوله تعالى: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة البقرة/195، ولا يمكن أن يقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم ينكر تأثير العدوى؛ لأن هذا أمر يبطله الواقع والأحاديث الأخرى.
فإن قيل: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قال: “لا عدوى. قال رجل: يا رسول الله ! الإبل تكون صحيحة مثل الظباء، فيدخلها الجمل الأجرب فتجرب؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فمن أعدى الأول؟ يعني أن المرض نزل على الأول بدون عدوى، بل نزل من عند الله عز وجل؛ فكذلك إذا انتقل بالعدوى؛ فقد انتقل بأمر الله، والشيء قد يكون له سبب معلوم وقد لا يكون له سبب معلوم، فَجَرَبُ الأول ليس سببه معلوما؛ إلا أنه بتقدير الله تعالى، وجرب الذي بعده له سبب معلوم، لكن لو شاء الله تعالى لم يجرب، ولهذا أحيانا تصاب الإبل بالجرب، ثم يرتفع ولا تموت، وكذلك الطاعون والكوليرا أمراض معدية، وقد تدخل البيت فتصيب البعض فيموتون ويسلم آخرون ولا يصابون.
فعلى الإنسان أن يعتمد على الله، ويتوكل عليه، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل مجذوم، فأخذ بيده وقال له: ” كل ” يعني من الطعام الذي كان يأكل منه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لقوة توكله صلى الله عليه وسلم؛ فهذا التوكل مقاوم لهذا السبب المعدي.
وهذا الجمع الذي أشرنا إليه هو أحسن ما قيل في الجمع بين الأحاديث” انتهى من “شرح كتاب التوحيد 2/80”
وعلى هذا فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى) أي أن المرض لا ينتقل من المريض إلى الصحيح بنفسه، وإنما ينتقل بتقدير الله تعالى، فمخالطة المريض للصحيح سبب من أسباب انتقال المرض، ولكن ليس معنى ذلك أنه واقع لا محالة، بل لا يقع إلا إذا شاء الله، ولهذا نجد كثيرا ما يخلف المرضى الأصحاء ولا ينتقل إليهم المرض.
ولمزيد الفائدة، يرجى مراجعة هذه الأجوبة: (115117) (291469) و (239151)
كما ينظر هذا الملف الخاص عن الأحكام المتعلقة بالأوبئة والبلاء
والله أعلم.