الحمد لله.
أولا:
إذا مات الإنسان انتقلت تركته لورثته، ولا يجوز لأحد منع تأخير قسمة التركة، أو الانتفاع بها دون بقية الورثة، أو حرمانهم من الانتفاع بها؛ لأن ذلك ظلم وعدوان على ملك الغير.
وعليه؛ فقد أخطأ الأب في عدم تمكين الأبناء من نصيبهم في الذهب الذي تركته والدتهم، وتلزمه التوبة، ورد الذهب، والتحلل من أبنائه.
ثانيا:
إذا كان نصيب الأب من الذهب يبلغ نصابا بنفسه، أو بما انضم إليه من ذهب آخر أو نقود، لزمته الزكاة في نصيبه كلما حال الحول، ويبدأ الحول من يوم وفاة الزوجة، ونصاب الذهب من عيار 24 هو 85 جراما، ومن عيار 21 هو 97.5 جراما.
وإذا كان الأب لم يخرج الزكاة، لزمه إخراجها عن السنوات الماضية، فيخرج عن السنة الأولى ثم الثانية وهكذا، إلا إن نقص الذهب عن النصاب بإخراج الزكاة، فلا تلزمه بعد ذلك.
فلو كان لا يملك إلا 100 جرام من الذهب عيار 21، فإن زكاتها في العام الأول جرامان ونصف، فيخرج الزكاة، فيصير الذهب 97.5 جراما، ثم يخرج عن العام التالي ربع العشر، وهو 2.4 جراما، فيصير الذهب الذي عنده 95.06 جراما، وهذا أقل من النصاب، فلا تلزمه الزكاة في العام الثالث، إلا أن يملك ذهبا آخر أو نقودا تكمل النصاب.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/44): " ينبني على الخلاف في تعلق الزكاة بالمال أو بالذمة عدة مسائل ذكرها ابن رجب في القواعد، أوضحها لو كان عند إنسان نصاب واحد حال عليه أكثر من حول، فعلى القول بأنها تجب في الذمة يجب عليه لكل سنة زكاة، وعلى القول بأنها تجب في عين المال، لم يجب عليه إلا زكاة سنة واحدة ـ السنة الأولى ـ لأنه بإخراج الزكاة سينقص النصاب، فإذا كان عند الإنسان أربعون شاة سائمة ومضى عليها الحول ففيها شاة، وبها ينقص النصاب؛ لأن الزكاة واجبة في عين المال، أما إن قلنا: إن الزكاة تجب في الذمة، فإنها تجب في كل سنة شاة" انتهى.
ثانيا:
أما الأبناء، فإن قبضوا الذهب من أبيهم، وكان نصيب كل منهم يبلغ نصابا بنفسه أو بما انضم إليه من ذهب آخر أو نقود: لزمهم أن يزكوا الذهب لسنة واحدة؛ لأن المال لم يكن تحت يدهم، ولا يمكنهم التصرف فيه، وهو دين على والدهم، والراجح في الدين إذا كان على مماطل أو معسر أن يزكى عند قبضه لسنة واحدة، وهو مذهب المالكية وجماعة من السلف، وعليه فتوى كثير من العلماء المعاصرين.
بل ذهب المالكية إلى أن المال الموروث لا زكاة فيه حتى يقبضه الورثة.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (23/237): " والمال الموروث صرح المالكية بأنه لا زكاة فيه إلا بعد قبضه، يستقبل به الوارث حولا، ولو كان قد أقام سنين، وسواء علم الوارث به أو لم يعلم" انتهى.
لكن الأحوط أن يزكى لسنة واحدة.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (23/238): "وأما الدين غير المرجو الأداء، فهو ما كان على معسر أو جاحد أو مماطل، وفيه مذاهب:
فمذهب الحنفية فيه كما تقدم، وهو قول قتادة وإسحاق، وأبي ثور، ورواية عن أحمد، وقول مقابل للأظهر للشافعي: أنه لا زكاة فيه لعدم تمام الملك؛ لأنه غير مقدور على الانتفاع به.
والقول الثاني وهو قول الثوري، وأبي عبيد ورواية عن أحمد، وقول للشافعي هو الأظهر: أنه يزكيه إذا قبضه لما مضى من السنين، لما روي عن علي رضي الله عنه في الدين المظنون : "إن كان صادقا فليزكه إذا قبضه لما مضى" .
وذهب مالك إلى أنه إن كان مما فيه الزكاة يزكيه إذا قبضه لعام واحد وإن أقام عند المدين أعواما. وهو قول عمر بن عبد العزيز، والحسن والليث، والأوزاعي" انتهى.
وينظر: جواب السؤال رقم: (125854).
ثالثا:
إذا كان في أولاده إناث، وكان الذهب حليا مصوغا، فلا زكاة فيه عليهن، في قول جمهور الفقهاء، خلافا لأبي حنيفة رحمه الله.
وعلى القول بزكاته فإنه يزكى لسنة واحدة كما تقدم.
وينظر: جواب السؤال رقم: (221758).
ومما سبق يُعْلَم أن الأب لا تجب عليه زكاة هذا الذهب كله، وإن كان هو من منع أبناءه من التصرف في مالهم، وإخراج زكاتهم؛ لأنه ليس ملكا له حتى يخرج عنه الزكاة، ويده يد غصب، يجب عليه أن يزيلها عن هذا المال، ويملكه لمستحقيه، ويتوب عن فعله هذا، وإنما تجب الزكاة في نصيبه فقط، على ما سبق بيانه.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (93525).
والله أعلم.