بعض الأخوة أنكر عَليَّ أني أغير جلستي بعد الصلاة والالتفات إلى المصلين، حيث أجلس متربعاً متجها ناحية اليمين، فقال: عليك أن تجلس على ركبتيك مثل جلسة الإفتراش، وقال: إن هذا احترام لمنبر النبي صلى الله عليه وسلم، وكلام من هذا القبيل، لأني أنا الإمام، فما صحة هذا؟
الحمد لله.
أولاً:
السنة في حق الإمام إذا سلم من الصلاة أن يلتف إلى المأمومين، ويستقبلهم بوجهه بعد أن يقول "أستغفر الله، ثلاثاً، اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام".
فعن سمرة بن جندبٍ قال: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى صَلَاةً، أَقْبَلَ عَلَيْنَا بوجهه" رواه البخاري (809).
وعن عائشة؛ قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا سلم، لم يقعد إلا مقدار ما يقول "اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام" رواه مسلم (136).
وسواء التفت إليهم من جهة اليمين او الشمال؛ فكل ذلك جائز، وثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا تتكلف اليمين دائما.
قال البخاري: "بَاب: الِانْفِتَالِ وَالِانْصِرَافِ عَنِ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ.
وَكَانَ أنس ينفتل عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ، وَيَعِيبُ عَلَى مَنْ يَتَوَخَّى، أَوْ مَنْ يَعْمِدُ الِانْفِتَالَ عَنْ يَمِينِهِ" انتهى من "صحيح البخاري" (1/ 291 ت البغا).
وعن السُّدِّيِّ قَالَ: "سَأَلْتُ أَنَسًا كَيْفَ أَنْصَرِفُ إِذَا صَلَّيْتُ؟ عَنْ يَمِينِي؟ أَوْ عَنْ يَسَارِي؟ قَالَ: أَمَّا أَنَا؛ فَأَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ" رواه مسلم (60).
وعن ابن مسعود قال: "أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن شماله" رواه مسلم (59).
قال النووي رحمه الله: "وجه الجمع بينهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل تارة هذا وتارة هذا، فأخبر كل واحد بما اعتقد أنه الأكثر فيما يعلمه؛ فدل على جوازهما، ولا كراهة في واحد منهما" انتهى من "شرح النووي على مسلم" (5/220).
قال ابن بطال: "فالانفتال والانصراف عن اليمين والشمال جائز عند العلماء لا يكرهونه، لما ثبت عن الرسول في هذا الباب، وإن كان انصرافه عليه السلام، عن يمينه أكثر؛ لأنه كان يحب التيامن فى أمره كله" انتهى من "شرح صحيح البخاري لابن بطال" (2/ 464).
ثانياً:
أما كيفية وطريقة الجلوس بعد الالتفات فيكون مستقبلا للناس بوجهه.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "الإمام إذا سلم من الصلاة، السنة أن ينصرف للمأمومين ويعطيهم وجهه، ولا يطول بقاءه مستقبل القبلة؛ لأنه إنما استدبرهم من أجل حاجة الصلاة، فإذا فرغ منها زالت الحاجة، فشرع له أن يستقبلهم، ويجعل وجهه إلى وجوههم، هذا هو الأدب الشرعي، ويعطيهم وجهه، يقابلهم... ولكن يكون بعد أن يقول: "أستغفر الله، ثلاثاً، اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام"؛ إن شاء انصرف عن يمينه وإن شاء انصرف عن شماله. ويقابلهم مقابلة ثم يأتي ببقية الأذكار". انتهى
وسواء واجههم، أو مال جهة اليمين، أو جهة اليسار، وهو جالس: فالأمر واسع.
جاء في "مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح":
"إذا سلم تحول عن القبلة، وانحرف يميناً أو شمالاً، ولم يمكث مستقبل القبلة، بل يسرع الانتقال إلى المأمومين، فإن كان هناك حاجة وضرورة إلى خطاب الناس جلس مستقبلاً لجميع المؤتمين، وخاطبهم وكلمهم، كما في حديث سمرة، وزيد بن خالد الجهني، وأنس، ومن وافقهم، وإن لم يكن هناك شيء يتعلق بخطاب القوم، فتارة جلس منحرفاً يمنةً، بأن يجعل يمينه إلى القوم ويساره إلى القبلة، كما يدل عليه حديث البراء على المعنى الثالث. وتارة جلس منحرفاً يسرةً، بأن يجعل يساره إلى القوم ويمينه إلى القبلة، وتارة لا يجلس بل يذهب إلى جهة حاجته" انتهى (3/303).
وأما صفة الجلوس، وهل يكون متربعا أو مفترشا أو غير ذلك، فلم نقف بعد البحث في كلام أهل العلم على هيئة معينة، والأمر واسع، فلا سنة في ذلك، ولا بدعة!!
وما زال الأئمة من أهل العلم يجلسون متربعين بعد الصلاة، ولا يتحرزون من ذلك، وما زال سائر أئمة الناس يجلسون على تلك الهيئة، من غير نكير. فلا ينبغي تكلف جلسة في مثل ذلك، ولا التنطع في الإنكار على إمام جلس على هيئة، مما هو معتاد مثله في الناس.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (164929)، ورقم: (288774)، ورقم: (147965).
والله أعلم.