أنا سريع الغضب والحلف وكثيرا ما تسقط الأيمان التي حلفتها ولا أعلم كم علي من كفارات الأيمان ولا أحصي رقما وأريد أن أوفي ما علي من كفارات ؟ فماذا أفعل ؟ وهل يجوز أن تكون كفارة اليمين عبارة عن دعوة غداء للأهل والأقارب ؟ وهل الحلف بالطلاق مع سقوط اليمين يوجب الكفارة ؟ مع العلم أن النية عند الحلف بالطلاق غير معلومة ، ولكن غالب الظن أنها ليست بقصد الطلاق .
الحمد لله.
أولا :
يكره الإكثار من الحلف ؛ لقول الله تعالى : ( وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ) القلم / 10 ، وهذا ذم له يقتضي كراهة فعله ، كما قال ابن قدامة رحمه الله . "المغني" (13/439).
ثانيا :
من حلف أيمانا متعددة ، وحنث ولم يكفّر عن شيء منها ، فله حالان :
الأول : أن تكون الأيمان على شيء واحد ، كأن يقول : والله لا أشرب الدخان ، ثم يحنث ولا يكفر ، ثم يعود فيحلف كذلك ، فهذا تلزمه كفارة واحدة .
والثاني : أن تكون الأيمان على أفعال مختلفة ، كقوله : والله لا شربت ، والله لا لبست ، والله لا أذهب إلى مكان كذا ، ويحنث في الجميع ولم يكفّر عن شيء منها ، فهل تلزمه كفارة واحدة أو كفارات ؟ فيه خلاف بين الفقهاء ، فجمهور العلماء على تعدد الكفارة . وهو الصحيح ؛ لأنها أيمان على أفعال مختلفة ، كل يمين مستقلة بنفسها .
وينظر : "المغني" (9/406) .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : أنا شاب حلفت بالله أكثر من ثلاث مرات على أن أتوب من فعل محرم ، سؤالي : هل علي كفارة واحدة أم ثلاث ، وما هي كفارتي ؟
فأجاب : "عليك كفارة واحدة ، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ؛ لقول الله سبحانه : ( لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ) المائدة/89 ، وهكذا كل يمين على فعل واحد أو ترك شيء واحد ، ولو تكررت ليس فيها إلا كفارة واحدة ، إذا كان لم يكفر عن الأولى منهما . أما إذا كان كفر عن الأولى ثم أعاد اليمين فعليه كفارة ثانية إذا حنث ، وهكذا لو أعادها ثالثة وقد كفر عن الثانية فعليه كفارة ثالثة .
أما إذا كرر الأيمان على أفعال متعددة أو ترك أفعال متعددة فإن عليه في كل يمين كفارة ، كما لو قال : والله لا أكلم فلانا ، والله لا آكل طعاما ، و الله لا أسافر إلى كذا ، أو قال : والله لأكلمن فلانا ، والله لأضربنه ، وأشباه ذلك .
والواجب في الإطعام لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد وهو كيلو ونصف تقريبا .
وفي الكسوة ما يجزئه في الصلاة كالقميص أو إزار ورداء . وإن عشاهم أو غداهم كفى ذلك؛ لعموم الآية الكريمة المذكورة آنفا . والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (23/145).
ثالثا :
إذا جهلت عدد الأيمان بيقين ، فاجتهد في تقديرها على وجه التقريب ، ثم أخرج كفارات على عددها التقريبي – إذا كانت على أشياء مختلفة - حتى يغلب على ظنك أنك أخرجت الواجب عليك .
رابعا :
إذا كان أقاربك فقراء ومساكين ، ودعوت عشرة منهم إلى غداء أو عشاء ، أجزأ ذلك عن كفارة يمين ، سواء دعوتهم في مجلس واحد أو في أوقات مختلفة .
ومن لم يستطع العتق أو الإطعام أو إخراج الكسوة ، فإنه يصوم ثلاثة أيام ، كما سبق في الآية الكريمة .
خامسا :
الحلف بالطلاق أمره عظيم ، وينبني عليه وقوع الطلاق عند الحنث ، في قول جمهور الفقهاء ، ولهذا يجب الحذر من ذلك .
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يرجع فيه إلى نية الحلف ، فإن نوى التهديد أو الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب ، ثم حنث ، فعليه كفارة يمين ، وإن نوى الطلاق وقع الطلاق ، وكل أدرى بنيته . وإذا غلب على ظنه أحد الأمرين ، فليعمل بما غلب على ظنه .
والله أعلم .