أنا بنت عندي تقريبا 28 سنة ، مثقفه ، وملتزمة ، والكل يحترمني ، ويحبني ، والحمد لله ، لست متزوجة ، والسبب أنه كلما تقدم لخطبتي شخص أحاول أن أجد أشياء سيئة فيه حتى أرفضه ، ثم بعد ذلك أندم ، وعندي صديقة أثق فيها كثيراً ، وهي تحبني ، وتريد مصلحتي ، قالت لي قبل أيام : إن السبب هو سحر معمول لك من شخص لا يريد أن تتزوجي ، وأنا أريد أعرف حكم الإسلام بهذا الموضوع ، وهل ممكن فعلا يحصل هذا الشيء ؟ يعني : ممكن أن يعملوا لي عملاً يجعلني أرفض الزواج حتى لو كنت مقتنعة بذالك الشخص ، وإذا هذا صحيح فما حله ؟ وأيضاً قالت لي إنه يوجد أشخاص يمکنهم فك هذا السحر . رجاء ساعدوني لأني بصراحة ما أصدق هذه القصة .
الحمد لله.
أولاً:
من ترفضينه ممن يتقدم لخطبتك لا يخلو من حالين :
الأولى : أن يكون متصفاً بصفات سيئة في حقيقة الأمر .
والثانية : أن يكون ذلك وهماً وتخيلاً منك ، وليس واقع الأمر كذلك .
فإن كانت حاله الأولى : فقد أحسنتِ في ردِّه وعدم القبول به زوجاً ، ولا يصلح للمرأة زوجٌاً إلا من حسُن دينُه وخلُقه ، فهو الذي يدلها على الخير ، ويعينها على طاعة ربها ، ويربي أولادها على أحسن الأخلاق والأقوال والأفعال .
لكننا ننبه هنا إلى أمر بالغ الأهمية ، وهو أن الحكم على بواطن الناس ليس إلى البشر ، ولم يؤمر به أحد ، حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قال: ( إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ ) رواه البخاري (4351) ومسلم (1064) .
وإذا كنا لم نؤمر بذلك ، فيكفينا من الناس ما ظهر منهم ، فمن أظهر لنا الخير أمناه ، وحكمنا عليه بما ظهر منه ، وأمره إلى الله .
عن عَبْد اللَّهِ بْن عُتْبَةَ قَالَ : سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : ( إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدْ انْقَطَعَ ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمْ الْآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ ؛ فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ ، وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ ؛ اللَّهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ ، وَإِنْ قَالَ إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ ) . رواه البخاري (2641) .
ويوشك ـ أيتها الأخت الكريمة ـ إن فتشت الناس ، وبحثت عن بواطنهم ألا يسلم لك أحد ؛ وانظري في نفسك ـ أولا ـ : هل أنت سالمة مما تفتشين الناس عنه :
وَمَن لا يُغَمِّض عَينَه عَن صَديقِهِ وَعَن بَعضِ ما فيهِ يَمُت وَهوَ عَاتِبُ
وَمَن يَتَتَبَّع جاهِداً كُلَّ عَثرَةٍ يَجِدها وَلا يَسلَم له الَّدهرَ صَاحِبُ
عَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
( إِنَّكَ إِنْ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ ، أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ !! )
فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ : كَلِمَةٌ سَمِعَهَا مُعَاوِيَةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ، نَفَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا !!
رواه أبو داود (4888) وصححه الألباني .
قال المناوي رحمه الله : " لوقوع بعضهم في بعض بنحو غيبة ، أو لحصول تهمة لا أصل لها ، أو هتك عرض ذوي الهيئات المأمور بإقالة عثراتهم .
وقد يترتب على التفتيش من المفاسد ما يربو على تلك المفسدة التي يراد إزالتها .
والحاصل أن الشارع ناظر إلى الستر مهما أمكن "
فيض القدير (1/559) .
ثم إن نصيحتنا لك ـ أيتها الأخت الكريمة ، ولأخواتنا اللاتي يبحثن عن الزوج المناسب ـ أنه لا ينبغي للمرأة أن " نتشدد " في الشروط التي ينبغي توفرها في الزوج من حيث أخلاقه وتدينه ؛ لأمرين اثنين :
الأول : أنها هي قد لا يكون عندها من الميزات والصفات من حيث التدين والجمال ما يدفع أصحاب الخلق والتدين للبحث عنها وطلب الاقتران بها ، وهنا لا يكون لرفضها وجه ؛ لأنه قد يستحيل أو يصعب مجيء من في خيالها ليطلبها زوجة ، فليراع هذا الأمر فإنه مهم .
والثاني : أن الناس درجات في أخلاقهم وتدينهم ، وإذا جاء لها صاحب خلق ودين فلتعلم أن ثمة من هم خير منه ، وثمة من هو خير منهم ، ولذا فلترض بالحد المناسب لأن يكون زوجاً يستر عليها ، ويدلها على الخير ، ويحب أن يزداد في إيمانه ، وأن لا يكون كارهاً لسترها وتدينها .
وإن كانت حاله الثانية : فالاحتمال الأكبر أن يكون ذلك بسبب الحسد أو السحر ، ويسمى هذا النوع من السحر " سحر التعطيل " ، ويمكنك معرفة هذا الحال إذا كان المتقدم للزواج صاحب خلق ودين ، ولا يكون فيه ما يعيب ، فتقبلين به ويقبل بك ، ثم لا يتم الأمر ، أو ترفضينه من غير سببٍ ظاهر .
قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين - حفظه الله - :
وأما سحر تعطيل الزواج : فكثيراً ما يشتكي النساء التعطل ، بحيث لا يتم الزواج ، مع توفر الشروط ، وعدم الموانع ، وقد يتقدم الخطباء ، ويتم القبول ، ثم ينصرفون دون إتمامه ، ولا شك أنه بسبب عمل بعض الحسدة ما يصد عن إتمامه ، وما يحصل به التغيير ، حتى إن بعض العوائل يبقون دون أن يتم تزويج نسائهم ، وإن تم الزواج لبعضهم : حدث ما يسيء الصحبة.
" الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة " ( ص 175 ) .
ثانياً :
حل هذين الأمرين سهل ويسير بإذن الله ، فإن كان الحال هو أنك تتشددين في صفات الراغب بالزواج : فاعلمي أن حل هذا الأمر بالرضا بالزوج الذي تتوفر فيه صفات الرجولة وحب الخير والدين الذي يمنعه من فعل المحرمات ، والناس تتفاوت في هذا ، فاقبلي بمن يزكيه لك الناصح الأمين من أهل الخير والدين ، ممن له علم بحالك وحال الخاطب ؛ ولعل الله أن يجعل فيه خيراً كثيراً .
وأما إن كنت أصبتِ بعينٍ ، أو تمَّ عمل سحر لكِ : فعليكِ السعي في حله بالطرق الشرعية ، وقد بيَّنا هذه الطرق في أجوبة الأسئلة : ( 13792 ) و ( 11290 ) و ( 12918 ) فلتنظر .
ولا داعي للبحث عن أناسٍ لحل السحر ؛ فالقراءة والرقية تستطيعين القيام بها وحدك ، فإن تعذَّر عليك القيام به : فابحثي عن أختٍ يوثق بدينها للقيام به ، واحرصي على البعد عن الرجال .
ونسأل الله تعالى أن يعينك ويوفقك لكل خير ، ونسأله أن يثبت قلبك على دينه ، وأن ييسر لك زوجاً صالحاً .
والله أعلم