الحمد لله.
دلت الأدلة الشرعية على وجوب هدم الأصنام ، ومن ذلك :
1- ما رواه مسلم (969) عن أبي الهياج الأسدي قال : قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ، ولا قبراً مشرفا إلا سويته " .
2- وما رواه مسلم (832) عن عمرو بن عبسة أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : وبأي شيء أرسلك ؟ قال : " أرسلني بصلة الأرحام ، وكسر الأوثان ، وأن يوحد الله لا يشرك به شيء ".
ويتأكد وجوب هدمها إذا كانت تعبد من دون الله :
3- روى البخاري (3020) ومسلم (2476) عن جرير بن عبد الله البجلي قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا جرير ألا تريحني من ذي الخلصة بيت لخثعم كان يدعى كعبة اليمانية قال فنفرت في خمسين ومائة فارس وكنت لا أثبت على الخيل فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب يده في صدري فقال اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا قال فانطلقَ فحرَّقها بالنار ثم بعث جرير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يبشره يكنى أبا أرطاة منا فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ما جئتك حتى تركناها كأنها جمل أجرب فبرك رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيل أحمس ورجالها خمس مرات ".
قال الحافظ ابن حجر :
وَفِي الْحَدِيث مَشْرُوعِيَّة إِزَالَة مَا يُفْتَتَن بِهِ النَّاس مِنْ بِنَاء وَغَيْره سَوَاء كَانَ إِنْسَانًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ جَمَادًا اهـ.
4- وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه في سرية لهدم العزى .
5- وأرسل سعد بن زيد الأشهلي رضي الله عنه في سرية لهدم مناة .
6- وأرسل عمرو بن العاص رضي الله عنه في سرية لهدم سواع . وذلك كله بعد فتح مكة .
[البداية والهاية 4/712، 776 ، 5/83 ، السيرة النبوية للدكتور علي الصلابي 2/1186 ].
قال النووي في "شرح مسلم" في كلام له على التصوير :
وَأَجْمَعُوا عَلَى مَنْع مَا كَانَ لَهُ ظِلّ , وَوُجُوب تَغْيِيره اهـ .
والذي له ظل من الصور هو الصور المجسمة كهذه التماثيل .
وأما ما يقال في ترك الصحابة رضي الله عنهم للأصنام في البلاد المفتوحة ، فهذا من الظنون والأوهام ، فما كان لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعوا الأصنام والأوثان ، لاسيما مع كونها معبودة في ذلك الزمن .
فإن قيل : فهذه الأصنام القديمة للفراعنة والفينيقيين وغيرهم ، كيف تركها الصحابة الفاتحون ؟
فالجواب : أن هذه الأصنام لا تخرج عن ثلاثة وجوه :
الأول : أن تكون تلك الأصنام في أماكن نائية لم يصل إليها الصحابة ، فإن فتح الصحابة لمصر مثلاً لا يعني
وصولهم إلى كل أرض فيها .
الثاني : أن تكون تلك الأصنام غير ظاهرة ، بل داخل منازل الفراعنة وغيرهم ، وقد كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم الإسراع عند المرور على ديار الظلمة والمعذبين ، بل جاء نهيه عن دخول تلك الأماكن .
ففي الصحيحين : " لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين ، أن يصيبكم مثل ما أصابهم " قال ذلك صلى الله عليه وسلم عند مروره على أصحاب الحجر، في ديار ثمود قوم صالح عليه السلام .
وفي رواية في الصحيحين أيضاً : " فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم ، أن يصيبكم مثل ما أصابهم ".
والظن بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم إن رأوا معبداً أو منزلاً لهؤلاء أن لا يدخلوه ، وأن لا يطلعوا على ما فيه .
وهذا مما يزيل الإشكال حول عدم تعرض الصحابة للأهرام وما فيها ، مع احتمال كون أبوابها ومداخلها مطمورة بالرمال في ذلك الوقت .
الثالث : أن كثيراً من هذه الأصنام الظاهرة اليوم كان مغموراً مطموراً ، أو اكتشف حديثاً ، أو جيء به من أماكن نائية لم يصل إليها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
فقد سئل الزركلي عن الأهرام وأبي الهول ونحوها : هل رآها الصحابة الذين دخلوا مصر؟
فقال : كان أكثرها مغموراً بالرمال ، ولاسيما أبا الهول .
(شبه جزيرة العرب 4/1188).
ثم يقال لو قدر وجود تمثال ظاهر غير مطمور ، فلا بد من ثبوت أن الصحابة رأوه، وأنهم كانوا قادرين على هدمه .
والواقع يشهد أن بعض هذه التماثيل يعجز الصحابة رضي الله عنهم عن هدمه ، فقد استغرق هدم بعض هذه التماثيل عشرين يوماً ، مع وجود الآلات والأدوات والمتفجرات والإمكانيات التي لم تتوفر للصحابة قطعاً .
ومما يدل على ذلك ما ذكره ابن خلدون في ( المقدمة ص 383) أن الخليفة الرشيد عزم على هدم إيوان كسرى ، فشرع في ذلك وجمع الأيدي ، واتخذ الفؤوس ، وحَمَّاه بالنار ، وصب عليه الخل ، حتى أدركه العجز وأن الخليفة المأمون أراد أن يهدم الأهرام في مصر فجمع الفعلة ولم يقدر .
وأما التعلل بكون هذه التماثيل من التراث الإنساني ، فهذا كلام لا يلتفت إليه ، فإن اللات والعزى وهبل ومناة وغيرها من الأصنام كانت تراثاً لمن يعبدها في قريش والجزيرة .
وهو تراث ، لكنه تراث محرم يجب إزالته ، وإذا جاء أمر الله ورسوله فالمؤمن يبادر إلى الامتثال ولا يرد أمر الله ورسوله بمثل هذه الحجج الواهية ، قال تعالى : ( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) النور / 51
ونسأل الله أن يوفق جميع المسلمين لما يحبه ويرضاه .
والله أعلم .
تعليق