الحمد لله.
أولًا:
قدر الزكاة في الزورع والثمار يختلف باختلاف طريقة السقي
يختلف قدر الزكاة الواجب إخراجُه من الزروع والثمار باختلاف طريقة السقي:
فإن كان يُسقى دون كلفة ولا مؤنة، كما لو سقي بماء المطر أو العيون، أو كان قريبًا من الماء بحيث يشرب بعروقه: ففيه العشر (10%).
وإن كان يسقى بكلفة ومؤنة، كما لو احتاج إلى آلة ترفع المياه ففيه نصف العشر (5%).
ودليل ذلك ما رواه البخاري عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّهُ عنهما عن النَّبِيِّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم قال: فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا: الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ: نِصْفُ الْعُشْرِ .
عَثَرِيًّا: هُوَ الَّذِي يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ مِنْ غَيْرِ سَقْي.
النَّضْح: هو السقي بالإبل، ويشبه السقي بالآلات الآن.
والذي يسقى بلا مؤنة يشمل أنواعًا:
- ما يشرب بعروقه، أي: لا يحتاج إلى سقي.
- ما يكون من الأنهار والعيون.
- ما يكون من الأمطار.
وفي رواية أبي داود: (فيما سَقَتِ السماءُ والأنهارُ والعيونُ أو كان بعْلًا: العُشُر، وفيما سُقِيَ بالسَّواني أو النَّضْح: نِصْفُ العُشرِ).
قال يحيى ابنَ آدم : سألتُ أبا إياسِ الأسدي عن البَعْلِ، فقال: الذي يُسقى بماء السماء.
وقال النضرُ بنُ شُمَيلٍ: البعلُ: ماءُ المطر. سنن أبي داود (3/46).
قال ابن قدامة: "الْعُشْر يَجِبُ فِيمَا سُقِيَ بِغَيْرِ مُؤْنَةٍ، كَاَلَّذِي يَشْرَبُ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَنْهَارِ، وَمَا يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ، وَهُوَ الَّذِي يُغْرَسُ فِي أَرْضٍ مَاؤُهَا قَرِيبٌ مِنْ وَجْهِهَا، فَتَصِلُ إلَيْهِ عُرُوقُ الشَّجَرِ، فَيَسْتَغْنِي عَنْ سَقْيٍ، وَكَذَلِكَ مَا كَانَتْ عُرُوقُهُ تَصِلُ إلَى نَهْرٍ أَوْ سَاقِيَةٍ.
وَنِصْفُ الْعُشْرِ فِيمَا سُقِيَ بِالْمُؤَنِ، كَالدَّوَالِي وَالنَّوَاضِحِ؛ لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا" انتهى من "المغني" (4/164).
وعن أبي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فِيمَا سَقَتِ الْأَنْهَارُ وَالْغَيْمُ: الْعُشُورُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ: نِصْفُ الْعُشْرِ رواه مسلم (981).
قال الحافظ: "(بِالنَّضْحِ) أَيْ: بِالسَّانِيَةِ، وَهِيَ رِوَايَةُ مُسْلِم، وَالْمُرَاد بِهَا الإِبِل الَّتِي يُسْتَقَى عَلَيْهَا، وَذَكَرَ الإِبِلَ كَالْمِثَالِ وَإِلا فَالْبَقْر وَغَيْرهَا كَذَلِكَ فِي الْحُكْمِ".
قال ابن قدامة: "وَفِي الْجُمْلَةِ كُلُّ مَا سُقِيَ بِكُلْفَةٍ وَمُؤْنَةٍ، مِنْ دَالِيَةٍ أَوْ سَانِيَةٍ أَوْ دُولَابٍ أَوْ نَاعُورَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَفِيهِ: نِصْفُ الْعُشْر، وَمَا سُقِيَ بِغَيْرِ مُؤْنَةٍ: فَفِيهِ الْعُشْرُ؛ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّ لِلْكُلْفَةِ تَأْثِيرًا فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ جُمْلَةً، بِدَلِيلِ الْمَعْلُوفَةِ" انتهى من "المغني" لابن قدامة (4/165)..
ثانيًا:
مقدار الزكاة الواجبة إذا كان يسقي مزرعته من بئر حفره
بناء على ما سبق، فحفر البئر له صورتان:
الأولى: أن يحتاج المزارع إلى أدوات وآلات لنقل الماء من البئر لسقي الزرع.
ففي هذه الحال: يكون الواجب عليه نصف العشر؛ لأن السقي تم بمؤنة وكلفة.
وفي الموسوعة الفقهية (23/288): "وَالضَّابِطُ لِذَلِكَ: أَنْ يُحْتَاجَ فِي رَفْعِ الْمَاءِ إِلَى وَجْهِ الأْرْضِ إِلَى آلَةٍ أَوْ عَمَلٍ ".
قال الشمس ابن قدامة، رحمه الله: " والضّابِطُ لذلك الاحْتِياجُ في تَرْقِيَةِ الماءِ إلى الأرْضِ إلى آلةٍ، مِن غَرْفٍ، أو نَضْحٍ، أو دَالِيَةٍ، أو نَحْوِ ذلك؛ وقد وُجِد." انتهى، من "الشرح الكبير" (6/529).
قال الإمام الشافعي: "فَكُلُّ مَا سَقَتْهُ الْأَنْهَارُ أَوْ السُّيُولُ أَوْ الْبِحَارُ أَوْ السَّمَاءُ أَوْ زُرِعَ عَثَرِيًّا مِمَّا فِيهِ الصَّدَقَةُ: فَفِيهِ الْعُشْرُ.
وَكُلُّ مَا يُزْرَعُ بِرِشَاءٍ مِنْ تَحْتِ الْأَرْضِ الْمَسْقِيَّةِ، يُصَبُّ فَوْقَهَا؛ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ. وَذَلِكَ أَنْ يُسْقَى مِنْ بِئْرٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ نَجْلٍ بِدَلْوٍ يُنْزَعُ أَوْ بِغَرْبٍ بِبَعِيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ بِزُرْنُوقٍ أَوْ مَحَالَةٍ أَوْ دُولاَبٍ؛ فَكُلُّ مَا سُقِيَ هَكَذَا فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ". "الأم" للشافعي (3/96).
الثانية: أن يكون الماء الخارج من البئر ظاهرًا يصل للأرض الزراعية دون جهد منه أو عمل.
ففي هذه الحال يكون الواجب العشر؛ لأن الكلفة التي يجدها المزارع في تفجير الماء وحفر الأرض لنقل مياه الأنهار إلى أرضه، وحفر السواقي، لا تأثير لها في مسألة المؤونة؛ لأنها من جنس حرث الأرض، ولأن هذه الكلفة لا تتكرر مع الأعوام.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "فإذا قال قائل: إذا كان من الأنهار، وشققت الساقية، أو الخليج ليسقي الأرض، هل يكون سقي بمؤونة أو بغير مؤونة؟
فالجواب: أنه سقي بغير مؤونة، ونظير ذلك إذا حفرت بئرًا وخرج الماء نبعًا، فإنه بلا مؤونة؛ لأن إيصال الماء إلى المكان ليس مؤونة، فالمؤونة تكون في نفس السقي.
أي: يحتاج إلى إخراجه عند السقي بمكائن أو بسوانٍ، أما مجرد إيصاله إلى المكان، وليس فيه إلا مؤونة الحفر أو مؤونة شق الخليج من النهر، أو ما أشبه ذلك فهذا يعتبر بلا مؤونة" انتهى من الشرح الممتع لابن عثيمين (6/77).
والله أعلم.
تعليق