الحمد لله.
شرب الخمر كبيرة من كبائر الذنوب ، لما ورد فيها من الحدّ في الدنيا ، والوعيد الشديد في الآخرة ، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة/90 ، وفي صحيح البخاري ( 2295 ) ومسلم ( 86 ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ). "
أي ينتفي عنه الإيمان الواجب حال شربها ، وينقص إيمانه نقصا عظيما بهذا الفعل الشنيع .
وفي سنن أبي داود ( 3189 ) عن ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ ) وصححه الألباني كما في صحيح أبي داود ( 2/700 ) .
والواجب على من ابتلي بشربها أن يبادر بالتوبة الصادقة النصوح ، فيقلع عنها إقلاعا تاما ، ويعزم على عدم العود إليها ، ويندم على ما فات .
وإذا كانت الخمر محرمة على هذا النحو الذي بيّنا ، فإن بيعها محرم كذلك ، وقد لعن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بائعها ومشتريها .
وأما المال الناتج عن الاتجار في الخمر ، ففيه تفصيل :
1- فإن كان لا يزال باقيا ، وجب التخلص منه ، بإعطائه للفقراء والمساكين ، وصرفه في وجوه الخير ؛ لأنه مال خبيث سحت لا يحل لكاسبه .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (14/61) فيمن كسب مالا عن طريق بيع المحرمات كالخمر : " قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ) وقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك ) خرّجه مسلم في صحيحه. لذلك فإنه يحرم على المسلم تعاطي المكاسب المحرمة ، ومن وقع في شيء من ذلك وجبت عليه التوبة وترك الكسب الحرام ، وأبواب الرزق الحلال -ولله الحمد- كثيرة ميسرة ، وقد قال الله سبحانه: ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ) ومن تاب وعنده أموال اكتسبها بطرق محرمة ؛ كالربا والميسر ، وبيع المواد المحرمة ؛ كالخمر والخنزير ، فإنه يجب عليه أن يتخلص من تلك الأموال ، بوضعها في مشاريع عامة ، كإصلاح الطرق ودورات المياه ، أو يفرقها على المحتاجين ولا يبقي عنده منها شيئا ، ولا ينتفع منها بشيء ؛ لأنها مال حرام ، لا خير فيها ، ومقتضى التوبة منها أن يتخلص منها ويبعدها عنه ، ويعدل إلى غيرها من المكاسب " انتهى.
لكن إن كان كافرا حال بيعه الخمر ، ثم أسلم ، فلا يلزمه التخلّص من هذه الأموال ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُلزم الصحابة بإخراج ما لديهم من الأموال المحرمة لما أسلموا .
2- وإن كان قد أنفق المال ، أو وضعه في بناء بيت أو شراء سيارة ، فلا يلزمه شيء غير التوبة ، فيتوب إلى الله تعالى ، وينتفع بالبيت والسيارة ، وينبغي أن يكثر من الصدقة والعمل الصالح . وينظر جواب السؤال رقم (78289)
والله أعلم .
تعليق