الحمد لله.
أولاً :
لقد وقعتِ في جملة من المخالفات الشرعية الواضحة البيِّنة ، ولذا فقد عجبنا من نهاية رسالتك والتي تقولين فيها " لأني لا أريد أن أغضب الله ، وأن لا أكون قد فعلت معصية " !! وعلى كل حال : فإن هذا من شؤم المعصية ، ومن آثارها ، وهو حجب العقل ، وحجب نوره الذي يقود صاحبه للطريق الصحيح المستقيم .
قال ابن القيم – رحمه الله – في بيان آثار المعاصي - :
ومنها : أن المعاصي تُفسد العقل ، فإن للعقل نوراً ، والمعصية تطفئ نور العقل ، ولا بد ، وإذا طُفئ نوره : ضعف ، ونقص ، وقال بعض السلف : " ما عصى اللهَ أحدٌ حتى يغيب عقلُه " ، وهذا ظاهر ، فإنه لو حضر عقله : لحجزه عن المعصية ، وهو في قبضة الرب تعالى ، أو يجهر به ، وهو مطلع عليه ، وفي داره ، على بساطه ، وملائكته شهود عليه ، ناظرون إليه ، وواعظ القرآن نهاه ، ولفظ الإيمان ينهاه ، وواعظ الموت ينهاه ، وواعظ النار ينهاه ، والذي يفوته بالمعصية من خير الدنيا والآخرة : أضعاف أضعاف ما يحصل له من السرور واللذة بها ، فهل يُقدم على الاستهانة بذلك كله والاستخفاف به ذو عقل سليم ؟! .
ومنها : أن الذنوب إذا تكاثرت : طُبع على قلب صاحبها فكان من الغافلين ، كما قال بعض السلف في قوله تعالى ( كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) المطففين/ 14 ، قال : " هو الذنب بعد الذنب " ، وقال الحسن : " هو الذنب على الذنب ، حتى يعمي القلب " ، وقال غيره : " لما كثرت ذنوبهم ومعاصيهم : أحاطت بقلوبهم " .
وأصل هذا : أن القلب يصدأ من المعصية ، فإذا زادت : غلب الصدأ حتى يصير راناً ، ثم يغلب حتى يصير طَبعاً ، وقفلا ، وختماً ، فيصير القلب في غشاوة وغلاف ، فإذا حصل له ذلك بعد الهدى والبصيرة : انتكس ، فصار أعلاه أسفله ، فحينئذ يتولاه عدوه ويسوقه حيث أراد .
" الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي " ( ص 39 ) .
ونأسف أن نقول لكِ : إن المعاصي التي فعلتيها كل واحدة منها جرَّت أختها ، فأثَّرت على العقل والقلب فأطفأت نورهما .
ثانياً:
وهذه المخالفات التي حصلت منكِ هي :
1. العلاقة المحرَّمة التي أنشأتيها مع زوجك الأول قبل زواجك به ، وهو واضح من خلال قولك إنه كان زواجاً عن حبٍّ ! ومن خلال وقوفك في وجه أهلك الرافضين لتزوجه بكِ ، وها أنتِ تعيدين الأمر مع آخر وأنت على ذمة زوج ! .
وقد بيَّنا حكم المراسلة بين الجنسين في أجوبة الأسئلة : (34841) و (26890) و (23349).
وانظري – في العلاقات المحرَّمة - : أجوبة الأسئلة (1114) و (9465) و (21933) و (10532) .
2. الظاهر أن وظيفتك فيها اختلاط مع الرجال الأجانب ، فإن كان ظنُّنا في مكانه : فهي معصية ، وإن كانت غير مختلطة – أو ليست في مجال محرَّم كالبنوك وشركات التأمين - : فليس عليك شيء .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال : أصلُ كل بليَّة وشرٍّ ، وهو مِن أعظم أسباب نزول العقوبات العامة ، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة ، واختلاط الرجال بالنساء : سببٌ لكثرة الفواحش ، والزنا ، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة .
" الطرق الحُكمية " ( ص 407 ) .
وانظري جواب السؤال رقم ( 1200 ) .
وللوقوف على حكم عمل المرأة ، وشروط جوازه : انظر جواب السؤال رقم ( 22397 ) .
وفي جواب السؤال رقم ( 6666 ) وصايا مهمة فيما يتعلق بعمل المرأة المختلط .
3. خروجك من بيت الزوجية دون إذن من الزوج ، وكان هذا الخروج مبنيّاً على كلام سمعتيه من أمه ، ومن شكوى منه بثها لها ، وهذا لا يجعلك في حلٍّ من خروجك من بيت الزوجية دون إذن زوجك ، وأنتِ لك الحق في بيت خاص مستقل مع زوجك ، لكن يظهر أنك تنازلتِ عن هذا في أول زواجكِ ورضيتِ بالسكن معه في بيت والدته ، فكان الأولى التفاهم معه على الوفاء بشرطه عندما رضيتِ بمساعدته في أعباء الحياة وفي سداد قرضه ، وإلزامه بذلك عن طريق القضاء الشرعي ، أو الحكَّام بينكما من أهل الخير والعلم ، وأما تصرفك هذا وخروجك دون استئذان منه : فهو غير جائز ، وقد منع الله تعالى المطلقات الرجعيات من أن يخرجن من بيوتهن بعد الطلاق ، فكيف المتزوجات ؟! قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً ) الطلاق/ 1 .
4. وأشنع هذه المخالفات الشرعية وأقبحها : هو علاقتك الآثمة بذلك المجرم الآثم ؛ الذي أظهر نفسه على أنه المخلِّص لك من مشكلات الدنيا ، ولبس لباس الناصح الحكيم ، فظهر في صورة الحمَل الوديع ، وفي داخله طبعُ الذئاب الكاسرة ، والثعالب الماكرة !!
فكيف رضي هذا المجرم بأن يلتقي بكِ ويحادثك ، ويجالسك ويتبسط معكِ ، بل إنه وبكل وقاحة وخساسة يطلب منك الزواج وأنت على ذمة زوج آخر ! والعجيب أنك ذكرتِ عن نفسك أن زوجك الأول قد كان يلبس قناع الطيبة ، وأنك كنت عمياء عندما قبلتِ به زوجاً ، فهل تظنين نفسك الآن مبصرة ؟! لا والله لستِ كذلك ، وإنَّ عماكِ مع زوجك الأول أهون من عماكِ الآن ، فأنتِ لم تكوني متزوجة حين كنت على علاقة معه ، أما الآن فإنك وأنت متزوجة كنتِ على علاقة محرمة بذلك المجرم ، والذي لم يكتفِ بالإيقاع بينك وبين زوجك ، وتقسية قلبك عليه ، وتبغيضك في الرجوع لبيت الزوجية ، حتى أضاف إلى ذلك كله طلب الزواج منكِ وأنت على ذمة زوج آخر .
فما فعلتيه حرام ، بلا أدنى شك ، وهو قبيح شنيع حتى عند غير أهل الإسلام ، ولا يرضى زوج أن تكون زوجته على مثل حالك ، ولا يمكن لعاقل – فضلا عن مسلم عالم بأحكام الشرع – أن يوافقك على التزوج من هذا المجرم الذي أبان عن سوء خلقه قبل الزواج ! وهذا يوفر عليك سلوك تجربة أخرى مريرة معه ! وهل تظنين أنه سينسى لك خيانة زوجك معه ؟ وهل تظنين أنه سيثق بك أن لا تعيدي الكرة معه ؟! لا تترددي في قطع العلاقة معه ، فهي علاقة محرمة من جهة ، ومن جهة أخرى فهو لا يصلح أن يكون زوجاً مأموناً وقد صدرت منه تلك الأفعال القبيحة المحرَّمة .
ولمعرفة مواصفات الزوج الصالح فلينظر جوابي السؤالين : (5202) و (6942) .
ثالثاً:
نرجو أن يكون ندمك ، ومحاسبتك لنفسك دليلَ خيرٍ على رجوع للحق ، وعلى حياة نفسكِ اللوامة التي تلومك على القبيح ، وتلومك على التقصير في الطاعات .
وإياك واتباع خطوات الشيطان ، فإنه يورد المهالك ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا ) النور/ 21 .
ولا تفرطي بفرصة الندم والتوبة ، قبل أن يأتي يوم لا ينفع الإنسان درهم ولا دينار ، ولا حميم ، ولا شفيع ، وقبل أن يعض أصبع الندم ، قال سبحانه :( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا . يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا . لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ) الفرقان/ 27 – 29 .
ولتطهير نفسك من الذنوب ، وللحافظ على دينك وإيمانك وعفافك ، احرصي على :
1. الصلاة في وقتها بخشوع وخضوع .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ( أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ قَالُوا لَا يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا قَالَ فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا ) .
رواه البخاري ( 505 ) ومسلم ( 667 ) .
2. الرفقة الصالحة من النساء المستقيمات على طاعة الله .
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ وَكِيرِ الْحَدَّادِ لَا يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً ) .
رواه البخاري ( 1995 ) ومسلم ( 2628 ) .
قال الأمام النووي – رحمه الله -
وفيه : فضيلة مجالسة الصالحين ، وأهل الخير ، والمروءة ، ومكارم الأخلاق ، والورع ، والعلم ، والأدب ، والنهي عن مجالسة أهل الشر ، وأهل البدع ، ومن يغتاب الناس ، أو يَكثر فجوره وبطالته ، ونحو ذلك من الأنواع المذمومة .
" شرح مسلم ( 16 / 178 ) .
3. عدم الاستماع للغناء والمعازف واللهو المحرم .
قال تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ . وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) لقمان/ 6،7 .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
فأهل الغناء ومستمعوه لهم نصيب من الذم بحسب اشتغالهم بالغناء عن القرآن وإن لم ينالوا جميعه ... يوضحه : أنك لا تجد أحداً عني بالغناء وسماع آلاته إلا وفيه ضلال عن طريق الهدى علماً وعملاً ، وفيه رغبة عن استماع القرآن إلى استماع الغناء بحيث إذا عرض له سماع الغناء وسماع القرآن عدل عن هذا إلى ذاك ، وثقل عليه سماع القرآن ، وربما حمله الحال على أن يُسكت القارئ ، ويستطيل قراءته ، ويستزيد المغني ، ويستقصر نوبته .
" إغاثة اللهفان " ( 1 / 240 ، 241 ) .
وأخيراً :
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله – :
يجب على المسلم أن يتوب من الذنوب ، ويبادر بذلك امتثالاً لأمر الله سبحانه ، ومن أجل إنقاذ نفسه من عذاب الله وغضبه ، ولا يجوز له أن يستمر على المعصية ، أو يؤخر التوبة بسبب طاعة النفس والشيطان ، ولا ينظر إلى لوم الناس ، بل يجب عليه أن يخشى الله ولا يخشى الناس ، ولو كانوا يفعلون المعاصي ، فلا يجوز له أن يقتدي بهم ، ويجب عليه أن يلزم أهله بالتوبة ؛ لقول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) التحريم/ 6 ، ولا يداريهم فيما يسخط الله عز وجل .
" المنتقى من فتاوى الفوزان " ( 2 / ص 293 ) .
والله أعلم
تعليق