الحمد لله.
أولاً :
نشكر لك أختنا السائلة هذه الغيرة على دين الله ، ونسأل الله أن يجزيك خير الجزاء عليها ، وأن يكلل مسعاكِ في دعوة عمتك بالنجاح ، فيهديها الله ، ويجعل أعمالها في ميزان حسناتك .
ثانياً :
ولا يخفى عليكِ أختنا الفاضلة انتشار التصوف والقبورية في أرجاء الأرض ، فبعض الدول الإسلامية يوجد فيها حوالي 3 آلاف قبر يُعظَّم ! وزبائن القبور والمشاهد والأوثان في العالَم الإسلامي يعدون بمئات الملايين ! وللأسف أنهم يُحسبون على المسلمين ، ويُحسب فعلهم على الإسلام ، ولا ندري – حقيقة – كيف لمسلم يشهد الشهادتين يفعل مثل هذا ، وهو يعلم ما جاء به نبيه من تحطيم الأصنام ، ونقض لعقائد الجاهلية ، والتي بعضها أقل كفراً من عقائدهم التي ينسبونها للإسلام ، فالجاهليون كانوا إذا أصابهم الضر في البحر دعوا الله مخلصين له في الدعاء ، لعلمهم أنه لا ينجيهم من كربهم إلا الله ، ومشركو زماننا من أهل القبور والأوثان وتعظيم الأولياء يدعون وليهم في السراء والضراء ! .
ثالثاً :
قال الإمام البغوي – رحمه الله - :
الكاهن : هو الذي يخبر عن الكوائن في مستقبل الزمان ، ويدَّعي معرفة الأسرار ، ومطالعة علم الغيب ، وكان في العرب كهنة يدعون معرفة الأمور ، فمنهم من كان يزعم أن له رئيساً من الجن ، وتابعة ، تُلقي إليه الأخبار ، ومنهم مَن كان يدَّعي أنه يستدرك الأمور بفهم أعطيه.
والعرَّاف : هو الذي يدَّعي معرفة الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها ، كالمسروق مَن الذي سرقها ، ومعرفة مكان الضالة ، وتُتهم المرأة بالزنى ، فيقول من صاحبها ، ونحو ذلك من الأمور ، ومنهم مَن يسمِّي المنجم كاهناً .
" شرح السنَّة " ( 12 / 182 ) .
وإتيان العرافين والكهَّان من كبائر الذنوب ، وهذا في مجرد الإتيان ، وأما من جاءهم مصدِّقاً لهم : فهو كفر مخرج من الملة ؛ لمضادة ذلك للإيمان بالله تعالى أنه لا يعلم الغيب إلا هو ، ومن باب أولى أن يكون حكم الكاهن والعرَّاف : الكفر المخرج من ملة الإسلام .
عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيٍّ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ) . رواه مسلم ( 2230 ) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) .
رواه الترمذي ( 135 ) وأبو داود ( 3904 ) وابن ماجه ( 936 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
وينظر تفصيل ذلك في جوابي السؤالين : ( 8291 ) و ( 60431 ) .
رابعاً :
النفع والضر بيد الله ، وبأمره عز وجل ، وقد كان الكفار في الجاهلية يعتقدون في أصنامهم أنها تنفع مَن عَبَدها ، وتضر من كفر بها ، فردَّ الله عليه اعتقادهم هذا في أكثر من موضع من كتابه ، وبيَّن أن هذا سفه في العقول ، فهم الذين نحتوها وصنعوها ، فكيف يعتقدون فيها النفع والضر ، وهم الذين يلجئون إلى الله وحده لا شريك له في الشدائد ، وتضل عنهم آلهتهم ومعبوداتهم في تلك الشدة ، فأنَّى يكون لها النفع والضر في الدنيا فضلاً عن الآخرة ؟! .
قال تعالى : ( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) يونس/ 18 .
قال الإمام الطبري – رحمه الله - :
يقول تعالى ذِكره : ويَعبُد هؤلاء المشركون الذين وصفتُ لك يا محمد صفتهم ، من دون الله الذي لا يضرهم شيئًا ، ولا ينفعهم ، في الدنيا ، ولا في الآخرة ، وذلك هو الآلهة ، والأصنام التي كانوا يعبدونها .
( ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) ، يعني : أنهم كانوا يعبدونها رجاء شفاعتها عند الله .
قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وآله : ( قل ) لهم ( أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض ) ، يقول : أتخبرون الله بما لا يكون في السموات ، ولا في الأرض ؟ ؛ وذلك أن الآلهة لا تشفع لهم عند الله في السموات ، ولا في الأرض ، وكان المشركون يزعمون أنها تشفع لهم عند الله ، فقال الله لنبيه صلى الله عليه وآله : قل لهم : أتخبرون الله أن ما لا يشفع في السموات ولا في الأرض يشفع لكم فيهما ؟ وذلك باطلٌ لا تُعلم حقيقته وصحته ، بل يَعلم الله أن ذلك خلاف ما تقولون ، وأنها لا تشفع لأحد ، ولا تنفع ولا تضر .
(سبحان الله عما يشركون ) ، يقول : تنزيهاً لله وعلوًّاً عما يفعله هؤلاء المشركون ، من إشراكهم في عبادته ما لا يضر ولا ينفع ، وافترائهم عليه الكذب .
" تفسير الطبري " ( 15 / ص 46 ، 47 ) .
وقد بيَّن الله تعالى عجز الأوثان والأصنام أن تكشف الضر عن أحد ، أو تمنع وقوع الخير لأحدٍ .
قال تعالى : ( وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) الأنعام/ 17 .
وقال : ( وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) يونس/ 107 .
وقال عز وجل : ( مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) فاطر/ 2 . وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ : ( وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ ) .
رواه الترمذي ( 2516 ) ، وقال : هذا حديث حسن صحيح ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
ومن ينتسب للإسلام فلا نعجب إن كانت منزلة الولي عنده كمنزلة الأصنام عند الجاهليين ، ولا نعجب إن رأيناهم يصرفون عباداتهم لهم ، كالنذر ، والذبح ، والخوف ، والخشية ، والرجاء ، وغير ذلك مما لا ينبغي للموحِّد أن يصرفه إلاَّ لربه وإلهه عز وجل .
ومثل هؤلاء لا تنفعهم صلاتهم ، ولا صيامهم ، ولا حجهم ما داموا على ذلك ؛ لأنهم نقضوا توحيد الألوهية ، فصرفوا ما يجب صرفه لله تعالى وحده : صرفوه لأوليائهم ، وأوثانهم ، كما أنهم نقضوا توحيد الربوبية باعتقادهم في أوليائهم من الأفعال ما لا يقدر عليه إلا الله ، كالنفع ، والضر ، والسخط ، والرضا ، والثواب والعقاب ، كل ذلك من أفعال الله تعالى وحده ، لا يشاركه فيه أحد .
وهذا الولي المزعوم ليس من الصالحين ، بل هو من أولياء الشيطان الذي يخوف به الشيطان الناس ، ليوقعهم في الشرك الأكبر ، ولو فُرض أن هذا الولي كان من الصالحين ، وأن هذا الذي غلا في شأنه ، واعتقد فيه هذه العقائد الجاهلية ، لم يكن بعلم الولي ولا إرادته : لم يغير ذلك من حكم التابع شيئاً ، ولا ينفعه عند الله شيئاً ، وإن كان المتبوع الصالح بريئاً منه ومن شركه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
فكل مَن غلا في حيٍّ ، أو في رجل صالح ، كمِثل عليٍّ رضي الله عنه ، أو " عدي " ، أو نحوه ، أو فيمن يَعتقد فيه الصلاح ، كالحلاج ، أو الحاكم الذي كان بمصر ، أو يونس القتي ، ونحوهم ، وجعل فيه نوعاً من الإلهية ، مثل أن يقول : كل رزق لا يرزقنيه الشيخ فلان ما أريده ، أو يقول إذا ذبح شاة : باسم سيدي ، أو يعبده بالسجود له ، أو لغيره ، أو يدعوه من دون الله تعالى ، مثل أن يقول : يا سيدي فلان اغفر لي ، أو ارحمني ، أو انصرني ، أو ارزقني ، أو أغثني ، أو أجرني ، أو توكلت عليك ، أو أنت حسبي ، أو أنا في حسبك ، أو نحو هذه الأقوال والأفعال التي هي من خصائص الربوبية التي لا تصلح إلا لله تعالى : فكل هذا شرك ، وضلال ، يستتاب صاحبه ، فإن تاب وإلا قتل ؛ فإن الله إنما أرسل الرسل ، وأنزل الكتب ، لنعبد الله وحده لا شريك له ، ولا نجعل مع الله إلهاً آخر .
" مجموع الفتاوى " ( 3 / 395 ) .
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله - :
ومعلوم أن الخوف من تلك الأصنام من أشنع أنواع الكفر والإشراك بالله ، وقد بيَّن جل وعلا في موضع آخر ، أن الشيطان يخوِّف المؤمنين أيضاً ، الذين هم أتباع الرسل ، من أتباعه وأوليائه من الكفار ، كما قال تعالى : ( إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين ) .
"أضواء البيان " ( 6 / 464 ) .
خامساً :
أما التعويذة المذكورة في السؤال : فهي من الخرافات ، ولا أصل لها في شرع الله تعالى ، ولا في واقع الناس ، وسبع حبات من الزبيب لا تمنع المرأة من الفجور بها ، ولا تمنع الزوج من جماع زوجته بمجردها ، اللهم إلا أن يقترن بها شيء من السحر ، الذي يفعله شياطين الإنس ليمنعوا الزوج عن زوجته ، والزوجة عن زوجها ، فهذا ليس من التعاويذ ولا التمائم في شيء ، وإنما هو من فعل مردة الشياطين والسحرة .
سادساً :
بخصوص مشاهدة الأفلام ، والوقوف على ما فيها من مفاسد وآثام : انظري أجوبة الأسئلة : ( 3633 ، 3324 ، 1107 ، 13003 ، 85232 ) .
وبخصوص برنامج " ستار أكاديمي " : انظري جواب السؤال رقم : ( 43775 ) ففيه بيان من " اللجنة الدائمة " في التحذير منه .
وننصحك أخيراً : بمداومة نصح عمتك ، وعدم السآمة من ذلك ، وأن تداومي على الدعاء لها ، وتحرَّي من أجل ذلك الأوقات والحالات الفاضلة ، فلعل الله أن يستجيب دعاءك ، وأن يهديها لما فيه صلاح حالها واعتقادها .
سابعاً :
ننبهك ـ أختنا الكريمة ـ أخيراً إلى أن ما جاء في الدعاء الكريم الذي ختمت به سؤالك ، وقلت : " وكلل مسعانا هذا بالنجاح إن شاء الله " ، فإن ذكر المشيئة هنا مخالف لأدب الدعاء ، بل ينبغي للإنسان أن يدعو الله عز وجل بما أحب من خير الدنيا والآخرة ، من غير أن يقرن ذلك بالمشيئة ، بل يجزم في مسألته ، ويتضرع إلى ربها في جوابها .
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ ارْزُقْنِي إِنْ شِئْتَ وَليَعْزِمْ مَسْأَلَتَهُ إِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ لَا مُكْرِهُ لَهُ ) . رواه البخاري (7477) ومسلم (2679) .
قال النووي رحمه الله :
" قَالَ الْعُلَمَاء : عَزْم الْمَسْأَلَة الشِّدَّة فِي طَلَبهَا , وَالْجَزْم مِنْ غَيْر ضَعْف فِي الطَّلَب , وَلَا تَعْلِيق عَلَى مَشِيئَة وَنَحْوهَا , وَقِيلَ : هُوَ حُسْن الظَّنّ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي الْإِجَابَة .
وَمَعْنَى الْحَدِيث : اِسْتِحْبَاب الْجَزْم فِي الطَّلَب , وَكَرَاهَة التَّعْلِيق عَلَى الْمَشِيئَة , قَالَ الْعُلَمَاء : سَبَب كَرَاهَته أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّق اِسْتِعْمَال الْمَشِيئَة إِلَّا فِي حَقِّ مَنْ يَتَوَجَّه عَلَيْهِ الْإِكْرَاه , وَاَللَّه تَعَالَى مُنَزَّه عَنْ ذَلِكَ , وَهُوَ مَعْنَى قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِر الْحَدِيث : فَإِنَّهُ لَا مُسْتَكْرِه لَهُ , وَقِيلَ : سَبَب الْكَرَاهَة أَنَّ فِي هَذَا اللَّفْظ صُورَة الِاسْتِغناء عن الْمَطْلُوب وَالْمَطْلُوب مِنْهُ " انتهى.
والله أعلم
تعليق