الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

حكم إجراء عقد النكاح بالهاتف ، وماذا يترتب عليه من أحكام لمن فعله

125482

تاريخ النشر : 27-10-2008

المشاهدات : 68914

السؤال

أرجو من فضيلتكم التكرم بإجابتي على سؤالي حيث أني في أمس الحاجة إلى مساعدتكم بسرعة الإجابة 1) تزوجت امرأة مسلمة كانت تعمل عندنا بالبيت ، وذلك بعد موافقتها - لدرء الكثير من أبواب ومصادر الفتن – وبمباركة من زوجتي المقبلة على عملية جراحية – حيث كانت هي من تبنى الفكرة - ؛ فتم إحضار شاهدين في وجودها ، وتم كتابة العقد ، وتحديد المهر ، ثم تم الاتصال بولي أمرها – والدها - في بلدها البعيد ، ولم نجده ، ووجدنا أختها ، فأخبرتْنا بموافقتها على ذلك ، ووعدت بإخبار والدها - الذي حسب قولها لا مانع لديه من إتمام الزواج - ، وتم توقيعها على عقد الزواج ، وتوقيع الشاهدين ، وتسليمها المهر ، وأجَّلتُ الدخول بها لحين سماع رأي والدها ، إلا أنني لم أرتح ، وواصلت أنا والشاهدان الاتصال بوالدها ، دون جدوى ، وبعد يومين أعطتنا هي رقم تلفون آخر ، وتم الاتصال ، وأعطتني الهاتف ، وأخبرتني أن الذي على الخط هو والدها ، فطلبتُ منه رأيه في الموضوع ، فوافق بقوله " حلال ، حلال " ، ثم أعطيتها الهاتف وهي في غاية السعادة ، وبحضور زوجتي الأولى التي باركت الأمر ، وفي تلك الليلة تم الدخول بها ، وسارت الأمور على طبيعتها ، وفي ظهر اليوم التالي : أحضرتْ هذه المرأة إلى زوجتي الأولى صورة لزوجها السابق الذي توفي قبل 3 أعوام ، وقالت : " حرام ، حرام " ، وفي اعتقادها أن زواجها بي يعد خيانة لزوجها السابق ! ، ثم أخبرتني أن الشخص الذي هاتفني ليس والدها بل زوج أختها !! ومن ذلك الحين وأنا في حيرة من أمري ، ثم حصلت مشكلة بين زوجتي الأولى وبينها ، وعزمت زوجتي الأولى على مغادرة البيت وعدم الرجوع إلا إذا طلقت هذه المرأة ، فكررتُ ثلاثاً أمامها - وأنا مكره - : " والله إن " فلانة " طالق ، والله إن " فلانة " طالق ، والله إن " فلانة " طالق " ، وبعد أن هدأت زوجتي الأولى ذهبنا سويا إلى هذه المرأه وقلت لها : " أنتِ طالق ، طالق " ، ولم أكمل الثالثة ، فلم تفهم لغتي ، وسألت زوجتي الأولى عن معنى هاتين الكلمتين ، ففسرت لها . فما حكم كل ما جرى – يا فضيلة الشيخ – " الزواج ، الطلاق ، استحقاقها للمهر - حيث إنها طلبت مني إرساله لوالدها ، وأضاعت رقم حسابها - . 2) نصحني أحد الإخوة بإرسال شخص من بني جنسها إلى بلادها ؛ ليتصل بأهلها ، ويأخذ الموافقة من والدها شخصيّاً ، وأعلم أحد الإخوة الفاضل الدعاة مسافراً إلى هناك ، وهو من نفس جنسية هذه المرأة ، فهل أكلفه بالمهمة - علماً بأنه أحد الشهود على العقد - ؟ .

الجواب

الحمد لله.


إن عقد النكاح الذي تم بينك وبين تلك المرأة باطل شرعاً ، ومن شروط النكاح : موافقة ولي المرأة ، وهو هنا لم يكن أثناء كتابة العقد ، وهذا يفسده ، ويجعله باطلاً .
وما حصل من اتصال بعد كتابة العقد : لا يستفاد منه ؛ لأن الولي هو الذي يزوِّجك ، وليس يُطلب منه الموافقة على العقد بعد إتمامه .
هذا ، مع العلم بأنه لو تمَّ عقد النكاح بالهاتف ابتداء ، وأخذتم موافقته على العقد قبل إنشائه ما كان العقد صحيحاً ! فكيف أن يتم أخذ موافقته بعده ؟! ؛ وذلك أن إجراء عقد النكاح بالهاتف تعتريه أشياء يمكن أن ترجع عليه بالفساد ، وعقد الزواج ميثاق غليظ ، وهو كلمة الله ، به تُستحل الفروج المحرَّمة ، ويثبت به النسب ، فلا يمكن لمثل هذه العقود أن تُجرى بالهاتف الذي لا يُطلَّع على حقيقة أمر الولي فيه ، فقد يكون سفيهاً ، أو مجنوناً ، أو غير مسلم ، أو يقلِّد أحد صوته ، أو يُزعم بأنه هو الولي وليس الأمر كذلك ، وقضيتك هذه تؤكد مثل هذا المنع ، ولذلك كان الصواب في منع إجراء عقود النكاح بالهاتف .
سئل علماء اللجنة الدائمة :
إذا توفرت أركان النكاح ، وشروطه ، إلا أن الولي والزوج كلٌّ منهما في بلد ، فهل يجوز العقد تليفونيّاً ، أو لا ؟ .
فأجابوا :
نظراً إلى ما كثُر في هذه الأيام من التغرير ، والخداع ، والمهارة في تقليد بعض الناس بعضاً في الكلام ، وإحكام محاكاة غيرهم في الأصوات ، حتى إن أحدهم يقوى على أن يمثل جماعة من الذكور ، والإناث ، صغاراً ، وكباراً ، ويحاكيهم في أصواتهم ، وفي لغاتهم المختلفة محاكاة تلقي في نفس السامع أن المتكلمين أشخاص ، وما هو إلا شخص واحد ، ونظراً إلى عناية الشريعة الإسلامية بحفظ الفروج ، والأعراض ، والاحتياط لذلك أكثر من الاحتياط لغيرها من عقود المعاملات : رأت اللجنة أنه ينبغي ألا يعتمد في عقود النكاح في الإيجاب ، والقبول ، والتوكيل على المحادثات التليفونية ؛ تحقيقاً لمقاصد الشريعة ، ومزيد عناية في حفظ الفروج ، والأعراض، حتى لا يعبث أهل الأهواء ومن تحدثهم أنفسهم بالغش ، والخداع.
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن منيع .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 18 / 91 ) .
وسئل الشيخ عبدالعزيز الراجحي
هل يجوز عقد النكاح عن طريق الهاتف ؟ .
فأجاب :
لا ، لا يجوز عقد النكاح في الهاتف ؛ لأن عقد النكاح لا بد فيه من أربعة : الولي ، والزوج ، والشاهدان ، ولا يمكن أن يجتمعوا في الهاتف ، ولا يكفي معرفة الصوت ؛ لأنه قد يتكلم في الهاتف من لا يكون وليّاً ، وقد يقبل من لا يكون زوجاً ، وقد يتكلم من الشهود من لا يكون عدلاً ، وقد يكون الواحد يغير الصوت فهو الولي ، وهو الشاهد ، المقصود : أنه لا يجوز عقد النكاح في الهاتف ، لا بد من حضور الأربعة في المجلس : الولي ، والزوج ، والشاهدان العدلان .
" فتاوى الشيخ عبد العزيز الراجحي " ( 1 / 53 ) – ترقيم الشاملة - ، رقم الفتوى : ( 1726 ) .
وهو نفس الأمر الذي انتهى إليه مجمع الفقه الإسلامي ، بجدة .
انظر : فقه النوازل ، للدكتور محمد بن حسين الجيزاني (3/106-107) .
وكلام العلماء هنا متقن غاية الإتقان ، وأنت ترى واقع مخالفته في قضيتك ، فلا الولي تكلم أمام الشهود بالموافقة ، ولا أنتم عرفتم – أصلاً – أنه وليها ، ثم إن الذي زعم لكم أنه هو الولي قد أنكر ذلك ، وليس إثباته مقدماً على نفيه ! .
وعلى كل حال : فالعقد باطل أصلاً ، ويلزمكم جميعاً التوبة والاستغفار من فعلكم ذاك ، ويجب عليك دفع المهر كاملاً لها ، وما وقع بعد ذلك من طلاق : فقد وقع في غير محله ، وهو لا قيمة له .
وإذا أردت الزواج بها نفسها : فيمكنك ذلك ، وعلى الولي الحضور شخصيّاً ، أو يمكنه أن يوكِّل من يقوم مقامه ، وليكن صاحبك الداعية الذي من بني جنسه ، ليتأكد من هويته ، وعقله ، ودينه .
قال ابن قدامة – رحمه الله - :
ويجوز التوكيل في عقد النكاح في الإيجاب والقبول ; لأن " النبي صلى الله عليه وسلم وكَّل عمرو بن أمية , وأبا رافع , في قبول النكاح له " ؛ ولأن الحاجة تدعو إليه , فإنه ربما احتاج إلى التزوج من مكان بعيد , لا يمكنه السفر إليه , فإن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة , وهي يومئذ بأرض الحبشة .
ويجوز التوكيل في الطلاق , والخلع , والرجعة , والعتاق ; لأن الحاجة تدعو إليه , كدعائها إلى التوكيل في البيع والنكاح .
" المغني " ( 5 / 52 ) .
وننبه إلى أن ما ذكرناه في جواب السؤال رقم ( 2201 ) عن الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه لا يخالف ما قررناه هنا – وهو من الموقعين على فتوى اللجنة الدائمة التي نقلناها هنا – حيث ذكر أن الولي أظهر موافقته أمام الشهود بمكبر الصوت ، وهو الذي قام بالتزويج ، بل ظاهر السؤال أن هناك معرفة سابقة بين أطراف العقد ، بحيث يؤمن ـ هناك ـ الإيهام أو التلاعب .
إلا أن ما ذكرناه من المنع مطلقا هو الذي ينبغي أن يُفتى به ؛ قطعاً لدابر التلاعب من أصله .
والله أعلم
 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب