الحمد لله.
يجوز لك إقراض هذه الأسرة ما تحتاج إليه من مال لإصلاح مسكنها ، ثم أخذ ذلك من الزكاة لكونك دائنة لهم ، ولكونهم غارمين ، ومعلوم أن الغارم من الأصناف المستحقة للزكاة ، ولا يشترط دفع الزكاة إليهم ، بل يجوز أن يدفع المال إلى الدائن مباشرة .
هذا إذا جرى بينك وبينهم إقراض صريح . وكذلك إذا أعطيتهم المال لأجل الإصلاح بيتهم وقطع الخصومة ونويت الرجوع على أهل الزكاة .
ورَجَّح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وجها ثالثا ، وهو أنه يجوز دفع المال للمستحق – ولو لم توجد خصومة- بنية الزكاة عن شخص من الأغنياء ، فإن رضي الغني وأجازه ، حسب ذلك من زكاته .
فهذه ثلاثة أوجه جائزة في مسألتك : الإقراض الصريح ، وإعطاؤهم لإصلاح ذات البين بنية الرجوع على أهل الزكاة ، وإعطاؤهم زكاة فلان من الناس ممن تعلمين أن لديه زكاة ، ثم إخباره واستجازته .
قال في "كشاف القناع" (2/283) : "وإن دفع المالك زكاةً إلى الغريم [الدائن] عن دين الغارم بلا إذن الفقير الغارم صح وبرئ لأنه دفع الزكاة في قضاء دين المدين , أشبه ما لو دفعها إليه فقضى بها دينه " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " إصلاح ذات البين أن يكون بين جماعة وأخرى عداوة وفتنة فيأتي آخر ويصلح بينهم، لكن قد لا يتمكن من الإصلاح إلا ببذل المال، فيقول: أنا ألتزم لكل واحدة منكم بعشرة آلاف ريال بشرط الصلح، ويوافقون على ذلك، فيُعطى هذا الرجل من الزكاة ما يدفعه في هذا الإصلاح، فيعطى عشرين ألفاً.
وإذا وَفَّى من ماله فإنه لا يُعطى؛ لأنه إذا وفَّى من ماله لا يكون غارماً، فليس عليه دَيْن الآن.
ولكن ينبغي التفصيل فيقال: يُعْطَى من الزكاة في حالين:
1 ـ إذا لم يوف من ماله؛ فهنا ذمته مشغولة، فلا بد أن نفكه.
2 ـ إذا وَفَّى من ماله بنية الرجوع على أهل الزكاة؛ لأجل ألا نسدَّ باب الإصلاح، وقد قال الله تعالى: ( لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ ) النساء/114؛ ولأن الحال قد تقتضي الدفع فوراً " انتهى من "الشرح الممتع" (6/233).
وقال أيضا : " قال العلماء: وهكذا كل من أدى عن غيره دَيْناً واجباً، فإنه يرجع إن نوى الرجوع، ولو بغير إذنه، إلا إذا كان الدَّيْن مما تشترط فيه نية المدين، فإنه لا يرجع إلا بإذن، مثل الزكاة والكفارة؛ لأن الذي عليه الزكاة لم ينوِ ولم يوكل.
مثاله: جاء رجل وقال: أنا سأذهب إلى المجاهدين أعطوني دراهم من الزكاة، وكنت أعلم أن صاحبي عنده زكاة كثيرة، فأعطيت هذا الرجل ثلاثين ألفاً على أنها زكاة صاحبي فهل أرجع؟ لا؛ لأن الزكاة تجب فيها النية، وهنا الذي عليه الزكاة لم ينو، وأما الثلاثون ألفاً فلا تذهب، بل عند الله وفيها أجر وتكون صدقة للذي بذلها.
فلو أنني أخبرته، وقلت: إنني دفعت عنك زكاة، فقال: جزاك الله خيراً، وأنا مجيز لك هذا التصرف، فالمذهب لا يجزئ؛ لعدم وجود النية حين الدفع، والصحيح جواز ذلك ، والدليل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة حفظه التمر، وهو وكيل للرسول صلّى الله عليه وسلّم على صدقة الفطر يحفظها، فجاءه الشيطان ليلة من الليالي وأخذ من التمر فأمسكه أبو هريرة، فقال الشيطان: إنه فقير وله عائلة، فَرَقَّ له أبو هريرة وتركه، وهكذا الليلة الثانية، والليلة الثالثة قال: لا بد أن تذهب إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم فخاف من الرسول صلّى الله عليه وسلّم وقال: أخبرك بآية تقرؤها، فإن قرأتها في ليلة لم يزل عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فأعلمه بآية الكرسي، فلما أصبح قال له الرسول صلّى الله عليه وسلّم: ما فعل أسيرك البارحة؟ وقال: إنه صدقك وهو كذوب، فقال: أتدري من تخاطب منذ ثلاثة أيام؟ فقال: لا، فقال: ذلك شيطان .
فأبو هريرة رضي الله عنه حين دفع من الزكاة لم يدفع بإذن الرسول، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام أجازه.
فالصحيح أن الإنسان لو دفع عن غيره زكاة وأجازه الغير، فإن الصحيح جواز ذلك " انتهى من "الشرح الممتع" (9/199).
والله أعلم .
تعليق