الحمد لله.
الحديث المشهور الوارد في افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة هو حديث مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ : "أَلَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِينَا فَقَالَ : أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً ، وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ ، ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ رواه أبو داود (4597) وغيره وصححه الحاكم (1/128) بل قال : إنه حديث كبير في الأصول ، وصححه ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (3/345) والشاطبي في "الاعتصام" (1/430) والعراقي في "تخريج الإحياء" (3/199) .
والحديث رواه الترمذي (2641) بلفظ : وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً ، قَالُوا : وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي وحسَّنه ابن العربي في " أحكام القرآن " (3 /432) ، والعراقي في "تخريج الإحياء" (3/284) والألباني في "صحيح الترمذي" .
وقوله صلى الله عليه وسلم : وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً فيه إشارة إلى أن الخلاف الموجب للافتراق هو الخلاف في الأصول والعقائد ، لا في الفروع والأحكام الفقهية .
وقوله صلى الله عليه وسلم عن الفرقة الناجية : وَهِيَ الْجَمَاعَةُ وفي رواية : مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي يؤكد ذلك أيضاً ، فمن خالف في الفروع لم يكن بذلك خارجاً عن الجماعة ، ولا عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فقد اختلف الصحابة في فروع شتى ، ولم يوجب ذلك افتراقهم وتفرقهم ، ولا قال قائل إنهم بذلك يدخلون في حديث الفرق ، بل هم جماعة واحدة ، على نهج واحد ، وأصول اعتقادية واحدة ، وهكذا الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبوعة ومن سواهم من أهل العلم والفضل ، هم الجماعة ، والفرقة الناجية ، وأهل السنة ، ومن شذ عن أصولهم واعتقاداتهم فهو الحري بأن يكون من أهل الفرقة والابتداع والزيغ .
ولهذا قال الشاطبي رحمه الله : " هذه الفرق إنما تصير فرقاً بخلافها للفرقة الناجية في معنًى كليٍّ في الدين ، وقاعدة من قواعد الشريعة ، لا في جزئي من الجزئيات ، إذ الجزئي والفرع الشاذ لا ينشأ عنه مخالفة يقع بسببها التفرق شيعاً ، وإنما ينشأ التفرق عند وقوع المخالفة في الأمور الكلية ؛ لأن الكليات تقتضي عدداً من الجزئيات غير قليل ، وشاذها في الغالب لا يختص بمحل دون محل ، ولا بباب دون باب " انتهى من " الاعتصام " (2/200) .
وبهذا تعلم براءة الأئمة الأربعة من وصمة الافتراق ، وكذلك براءة أتباعهم ممن لزم أصول أهل السنة ، وأما من خالف ذلك ونحا إلى الاعتزال أو التشيع أو الإرجاء أو غيره من النحلل والأهواء ، فهذا هو المفارق لأهل السنة الداخل في عداد الفرق المذمومة .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (90112) .
والله أعلم .
تعليق