الحمد لله.
الذبح إن كان المراد به مجرد اللحم ، كما هو الأصل في ذبائح الناس : فالواجب أن يكون على اسم الله تعالى ؛ فما ذكر اسم الله عليه : حل أكله ، إذا كان قد ذبح بالطريقة الشرعية المعروفة ، فإن لم يذكر اسم الله عليه : لم يحل أكله ؛ قال الله تعالى : ( فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ * وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ) الأنعام /118-119.
وقال تعالى أيضا : ( وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ) الأنعام/121.
وأما إن كان المراد بالذبح : القربة والعبادة : فيجب أن يضاف إلى ذلك أن تكون تلك القربة إلى الله تعالى ، كسائر القربات والعبادات . قال الله تعالى : ( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)الأنعام /162-163.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى :
" يأمره تعالى أن يخبر المشركين الذين يعبدون غير الله ، ويذبحون لغير اسمه ، أنه مخالف لهم في ذلك ؛ فإن صلاته لله ونسكه على اسمه وحده لا شريك له ، وهذا كقوله تعالى : ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) الكوثر / 2 . أي : أخلص له صلاتك وذبيحتك ؛ فإن المشركين كانوا يعبدون الأصنام ويذبحون لها ، فأمره الله تعالى بمخالفتهم والانحراف عما هم فيه ، والإقبال بالقصد والنية والعزم على الإخلاص لله تعالى " انتهى .
تفسير ابن كثير - (3 / 381-382)
وروى مسلم (1978) عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ ) .
قال النووي رحمه الله :
أَمَّا الذَّبْح لِغَيْرِ اللَّه : فَالْمُرَاد بِهِ أَنْ يَذْبَح بِاسْمِ غَيْر اللَّه تَعَالَى ، كَمَنْ ذَبَحَ لِلصَّنَمِ أَوْ الصَّلِيب أَوْ لِمُوسَى أَوْ لِعِيسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِمَا أَوْ لِلْكَعْبَةِ وَنَحْو ذَلِكَ , فَكُلّ هَذَا حَرَام , وَلَا تَحِلّ هَذِهِ الذَّبِيحَة , سَوَاء كَانَ الذَّابِح مُسْلِمًا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ يَهُودِيًّا , نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيّ , وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابنَا , فَإِنْ قَصَدَ مَعَ ذَلِكَ تَعْظِيم الْمَذْبُوح لَهُ غَيْر اللَّه تَعَالَى وَالْعِبَادَة لَهُ كَانَ ذَلِكَ كُفْرًا , فَإِنْ كَانَ الذَّابِح مُسْلِمًا قَبْل ذَلِكَ صَارَ بِالذَّبْحِ مُرْتَدًّا " انتهى .
فمن ذبح وقصد غير الله ، كمن ذبح للصنم ، أو لدفع الروح الشريرة – كما يزعمون – أو تقربا لما يعبد من دون الله ، أو لولي ونحو ذلك : فهو مشرك خارج عن الملة ، ولا يحل الأكل من ذبيحته ، سواء ذكر اسم الله عليها أو لم يذكر اسم الله ؛ لأنها أهلّ بها لغير الله ، وقد قال الله تعالى : ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) البقرة / 173
وقوله تعالى : ( وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ) أي : ذبح لغير الله .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" قوله تعالى : ( وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ) ظاهره أنه ما ذبح لغير الله ، مثل أن يقال هذا ذبيحة لكذا ؛ وإذا كان هذا هو المقصود فسواء لفظ به أو لم يلفظ ، وتحريم هذا أظهر من تحريم ما ذبحه النصراني للحم وقال فيه باسم المسيح ونحوه ، كما أن ما ذبحناه نحن متقربين به إلى الله سبحانه كان أزكى وأعظم مما ذبحناه للحم وقلنا عليه باسم الله ؛ فإن عبادة الله سبحانه بالصلاة له والنسك له أعظم من الاستعانة باسمه في فواتح الأمور ، فكذلك الشرك بالصلاة لغيره والنسك لغيره أعظم شركا من الاستعانة باسم هذا الغير في فواتح الأمور ؛ فإذا حرم ما قيل فيه باسم المسيح والزهرة فلأن يحرم ما قيل فيه لأجل المسيح والزهرة ، أو قصد به ذلك أولى ... ؛ وعلى هذا فلو ذبح لغير الله متقربا به إليه : لحرم ، وإن قال فيه بسم الله ؛ كما يفعله طائفة من منافقي هذه الأمة الذين يتقربون إلى الأولياء والكواكب بالذبح والبخور ونحو ذلك ، وإن كان هؤلاء مرتدين لا تباح ذبيحتهم بحال ، لكن يجتمع في الذبيحة مانعان ... " انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (260) .
وقال علماء اللجنة الدائمة :
" الذبح لغير الله شرك ، وحكم الذبيحة حكم الميتة ، ولا يجوز أكلها ، ولو ذكر عليها اسم الله ، إذا تحقق أنها ذبحت لغير الله " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (1/226) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" الذبح لغير الله شرك أكبر ، لأن الذبح عبادة ، فمن ذبح لغير الله فهو مشرك شركا مخرجا عن الملة – والعياذ بالله – سواء ذبح ذلك لملك من الملائكة ، أو لرسول من الرسل ، أو لنبي من الأنبياء ، أو لخليفة من الخلفاء ، أو لولي من الأولياء ، أو لعالم من العلماء ، فكل ذلك شرك بالله – عز وجل – ومخرج عن الملة .
وأما الأكل من لحوم هذه الذبائح فإنه محرم ؛ لأنها أهل لغير الله بها ، وكل شيء أهل لغير الله به ، أو ذبح على النصب ، فإنه محرم " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (2/148) .
وهذا الذابح المسلم إن كان يعلم أنها إنما تُذبح لهذا الذي ذبحت له : فهو ذابح لغير الله ، ولو ذكر اسم الله عليها ، وهذا من الشرك الأكبر كما تقدم ، وإن كان قد ذبحها وهو لا يعلم ، وإنما طُلب منه أن يذبح فذبح ، يظنهم إنما يذبحونها للحم : فلا شيء عليه .
والله أعلم .
راجع إجابة السؤال رقم : (44730) .
تعليق