الجمعة 8 ربيع الآخر 1446 - 11 اكتوبر 2024
العربية

كيف تتعامل مع زوجها الذي يشرب الخمر ؟

السؤال

إنني امرأة مسلمة لدي ثلاثة أطفال وزوج طيب . وإنني أحاول جهدي لأتمسك بديني بقدر الإمكان وأن أخاف الله تعالي في الدنيا والآخرة . وقد توقفت في الفترة الأخيرة عن محرمات كثيرة كنت أفعلها (مثل شرب الخمر) وأحاول أن أعيش حياتي في ظل الدين . وبالرغم من أن زوجي رجل طيب فإنه يشرب الخمر . وهو يشرب كل بضعة أيام وهذا يجعلني غاضبة جدا ولا أستطيع التحكم في غضبي . وقد اعتدت أن أصرخ في وجهه ولكنني الآن أبقيت علي نفسي صامتة لا أحدثه في شيء غير أن طباعي تكون سيئة عندما يشرب الخمر . هل يجوز أن أظهر له مدى الضيق الذي أشعر به عندما يشرب الخمر؟ إذا أظهرت له أنني طبيعية وأنني سعيدة جدا وليس يهمني كونه يشرب الخمر فإنه سيكون في غاية السعادة ويلبي لي كل ما أحتاج. كما أنه في بعض الوقت يشرب أمامي، فكيف أتصرف في مثل هذا الموقف؟ هل أظهر عدم موافقتي أم أبقي صامتة وأدعو له ولا أظهر الغضب منه؟ الأمر حقا في غاية الصعوبة . إنني قلقة جدا حيال هذا ولكن والحمد لله هذا هو الجانب السيئ الوحيد في زواجي . أما في الجهة الأخرى فإنه يقوم بكل شيء لأسرته وأنا فقط أتمنى أن يقلع عن شرب الخمر . وإنني أخاف من أن تصيب هذه العادة المنكرة أطفالي وأن لا يتغير زوجي . إنني أحبه كثيرا ولكن هذه العادة تجعل من الصعب علي أن أعتني بالأطفال وأن أعيش حياتي اليومية طبيعية بسبب الاكتئاب . أشعر أنه لو استخدمت أسلوبا أكثر عطفا ومليئا بالحب فإنه أحرى أن يستمع ويتغير إن شاء الله .

الجواب

الحمد لله.

الخمر أم الخبائث ، ومفاسدها على الدين والبدن والعقل لا تخفى على ذي بصيرة ، وقد سبق بيان شيء من هذه المفاسد في جواب السؤال (38145) .

وتحريم الخمر لا يقتصر على شربها ، بل يشمل عصرها وحملها وبيعها والحضور في مجالسها ، ولذلك جاء النص الشرعي في حقها بلفظ الاجتناب ، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي : "واجتناب الشيء : هو التباعد عنه ، بأن تكون في غير الجانب الذي هو فيه" انتهى " أضواء البيان" (3/33) .

ولذلك فلا يحل لك الجلوس مع زوجك عند شربه للخمر ولا مجاملته في ذلك ، بل الواجب عليك وعظه ونصحه وتذكيره بالله ، فإن لم يستجب لك ، ففارقي مجلسه حال شربه لها .

وينظر جواب السؤال (12499) ، (127981) ، (119600) .

وقد وصف الله المؤمنين بأنهم يتجنبون حضور مجالس المنكر ، فقال تعالى مبيناً صفات عباد الرحمن : (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) .

قال الشيخ ابن باز : "والزور يشمل جميع أنواع المنكر" انتهى "مجموع فتاوى ابن باز" (15/317) .

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي : "فيجتنبون جميع المجالس المشتملة على الأقوال المحرمة أو الأفعال المحرمة ، كالخوض في آيات الله ، والجدال الباطل ، والغيبة ، والنميمة ، والسب ، والقذف ، والاستهزاء ، والغناء المحرم ، وشرب الخمر ..." انتهى "تفسير السعدي" (1/587) .

وقال صلى الله عليه وسلم : (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا بِالْخَمْرِ) رواه الترمذي (2725) ، وإسناده جيد كما ذكر الحافظ في " فتح الباري " (9/250) ، وحسّنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2246) .

لأن الجالس في مكانٍ يُفعل فيه المنكر مشارك للفاعل في الإثم إن استطاع تغيير المنكر ولم يفعل ، أو استطاع مفارقة المجلس ولم يفعل .

فعن أبي سَعِيد الخُدْري رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ) ، رواه مسلم (49) .

وإنكار القلب هو ما يصيبه من هم وغم وحزن على وجود المنكر ، وهذا يتنافى مع إظهار السعادة والفرح بما يفعل زوجك ، أو إظهار عدم المبالاة والاكتراث بما يقع فيه من المنكر .

ومع ذلك فالصراخ في وجهه في مثل هذه الأحوال لن يجدي كثيراً ، ولذلك احرصي على ضبط أعصابك ودعوته بالرفق واللين والموعظة الحسنة بين الفينة والأخرى ، مع الدعاء له بالهداية في ظهر الغيب ، وتحري أوقات الإجابة خاصةً في الثلث الأخير من الليل .

واحرصي على تربية أولادك تربية سليمة ، مع إبعاد هذا المنكر عن نظرهم ومتناول أيديهم ، ولا أقل من أن تطلبي من زوجك أن لا يتناول الخمر أثناء تواجدهم أو أمامهم، حتى يهديه الله تعالى ويتوب من شربها .

ونوافقك أن أسلوبك إذا كان مليئاً بالحب والعطف يكون أكثر قبولاً وتأثيراً فيه لهذا أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفق وقال : (إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ) رواه مسلم (2594) .

فليكن كلامك معه أنك تحبين له الخير ، وأن يكون وقوراً محترماً بين الناس ، وأن يكون مثالياً في كل شيء ، كما هو كذلك في معاملته معكم .. ونحو ذلك من الكلام الذي نرجو أن يكون مؤثراً فيه.

نسأل الله أن يوفقك لكل خير ، وأن يهدي زوجك لأحسن الأخلاق والأقوال والأعمال .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب