الحمد لله.
على المؤمن ألا يصاحب إلا مؤمنا ، ولا يخالط إلا المؤمنين ، إلا أن يخالط غيرهم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والدعوة إلى الله ، أو لمصلحة من مصالح الدنيا ، كالبيع والشراء والعمل ... ونحو ذلك .
وذلك لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا ، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ) رواه الترمذي (2395) وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي" .
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ) رواه أبو داود (4833) وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" وغيره .
قال في "عون المعبود" :
"أَيْ يَتَأَمَّل وَيَتَدَبَّر مَنْ يُخَالِلْ : فَمَنْ رَضِيَ دِينه وَخُلُقه خَالَلَهُ ، وَمَنْ لَا تَجَنَّبَهُ فَإِنَّ الطِّبَاع سَرَّاقَة" انتهى .
فإن خالط غير المؤمنين لظروف العمل ، أو صلة رحم ، أو لحاجة لا بد منها ، فلا يجوز أن يجالسه وهو يفعل المنكر .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"لَا يَجُوزُ لِأَحَدِ أَنْ يَحْضُرَ مَجَالِسَ الْمُنْكَرِ بِاخْتِيَارِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ كَمَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ : (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ) وَرُفِعَ لِعُمَرِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَوْمٌ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ فَأَمَرَ بِجَلْدِهِمْ فَقِيلَ لَهُ : إنَّ فِيهِمْ صَائِمًا . فَقَالَ : ابْدَءُوا بِهِ أَمَا سَمِعْتُمْ اللَّهَ يَقُولُ : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إنَّكُمْ إذًا مِثْلُهُمْ) .
بَيَّنَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ حَاضِرَ الْمُنْكَرِ كَفَاعِلِهِ ، وَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ : إذَا دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ فِيهَا مُنْكَرٌ كَالْخَمْرِ وَالزَّمْرِ لَمْ يَجُزْ حُضُورُهَا ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِإِنْكَارِ الْمُنْكَرِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فَمَنْ حَضَرَ بِاخْتِيَارِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ بِتَرْكِ مَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ بُغْضِ إنْكَارِهِ وَالنَّهْيِ عَنْهُ . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهَذَا الَّذِي يَحْضُرُ مَجَالِسَ الْخَمْرِ بِاخْتِيَارِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا يُنْكِرُ الْمُنْكَرَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ هُوَ شَرِيكُ الْفُسَّاقِ فِي فِسْقِهِمْ فَيَلْحَقُ بِهِمْ" انتهى .
"مجموع الفتاوى" (28 / 221-222) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
"لا يجوز الجلوس مع قوم يشربون الخمر إلا أن تنكر عليهم ، فإن قبلوا وإلا فارقتهم ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر) . خرجه الإمام أحمد والترمذي بإسناد حسن ، ولأن الجلوس معهم وسيلة إلى مشاركتهم في عملهم السيئ أو الرضا به ، وقد قال الله عز وجل في سورة الأنعام : (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) وقوله عز وجل : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن باز" (23 / 61) .
وعلى هذا ، فقولك لمن يقدم لك خمراً : (أشكرك) يتنافى مع بغض المنكر وإنكاره ، لأن هذا الشخص سيفهم أنه أحسن إليك ، ولن يفهم أنه أساء بشربه الخمر ، وبتقديمه لك .
فإن كان هذا الشخص مسلماً ، فإنك يجب أن تنكر عليه شرب الخمر وتنصحه بتركه .
وإن كان غير مسلم فأقل ما يمكنك فعله أن تبين له أنك لا تشرب الخمر لأن دينك يحرمها .
وانظر لمزيد الفائدة السؤال رقم (96662) .
والله أعلم
تعليق