الحمد لله.
" الحلول " و " الاتحاد " - و يدخل فيه مصطلح " وحدة الوجود " - :
هاتان اللفظتان تردان كثيراً في كتب العقائد ، وهما من المصطلحات الصوفية ، والباطنية ، كما أنهما تردان في كتب الأديان الباطلة ، كالبرهمية ، والبوذية ، وغيرهما .
1. " الحلول " :
أ. معناه في الاصطلاح العام : أن يحل أحد الشيئين في الآخر .
وهو " حلول سَرَياني " ، و " حلول جواري " .
يقول الجرجاني رحمه الله :
الحلول السرَياني : عبارة عن اتحاد الجسمين بحيث تكون الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر ، كحلول ماء الورد في الورد ، فيُسمَّى الساري حالاًّ ، والمسري فيه محلاًّ .
الحلول الجواري : عبارة عن كون أحد الجسمين ظرفاً للآخر ، كحلول الماء في الكوز .
" التعريفات " ( ص 92 ) .
هذا هو الحلول : إثبات لوجودين ، وحلول أحدهما في الآخر .
ويراد منه باصطلاح القائلين به من الصوفية وغيرهم : حلول الله - عز وجل - في مخلوقاته ، أو بعض مخلوقاته .
ب. " أقسام الحلول " :
ينقسم الحلول إلى قسمين :
1. حلول عام : هو اعتقاد أن الله تعالى قد حلَّ في كل شيء .
ولكن ذلك الحلول من قبيل حلول اللاهوت - أي : الإله الخالق - بالناسوت - أي : المخلوق - مع وجود التباين ، بمعنى : أنه ليس متحدّاً بمن حلَّ فيه ، بل هو في كل مكان مع الانفصال ، فهو إثبات لوجودين .
وهذا قول الجهمية ومن شاكلهم .
2. حلول خاص : وهو اعتقاد أن الله - جل وعلا - قد حلَّ في بعض مخلوقاته .
مع اعتقاد وجود خالق ومخلوق .
وذلك كاعتقاد بعض فرق النصارى : أن اللاهوت - الله جل وعلا - حلَّ بالناسوت – عيسى عليه السلام - ، وأن عيسى عليه السلام كانت له طبيعتان : لاهوتية لما كان يتكلم بالوحي ، وناسوتية عندما صلب .
وكذلك اعتقاد بعض غلاة الرافضة - كالنصيرية - أن الله - عز وجل - حلَّ في علي بن أبي طالب ، وأنه هو الإله ؛ حيث حلت فيه الألوهية ، وذلك من عقائدهم الأساسية .
2. " الاتحاد " :
أ. معناه : كون الشيئين شيئاً واحداً .
قال الجرجاني رحمه الله :
الاتحاد : امتزاج الشيئين ، واختلاطهما حتى يصيرا شيئاً واحداً .
" التعريفات " ( ص 9 ) .
ب. ومعناه باصطلاح القائلين به : اتحاد الله - عز وجل – بمخلوقاته ، أو ببعض
مخلوقاته .
أي : اعتقاد أن وجود الكائنات أو بعضها هو عين وجود الله تعالى .
ج. " أقسام الاتحاد " :
" الاتحاد " ينقسم إلى قسمين :
1. الاتحاد العام - وهو ما يطلق عليه أيضاً : " وحدة الوجود " - : وهو اعتقاد كون
الوجود هو عين الله عز وجل .
بمعنى : أن الخالق متحد بالمخلوقات جميعها ، وهذا هو معنى " وحدة الوجود " ،
والقائلون به يسمون " الاتحادية " ، أو " أهل وحدة الوجود " ، كابن الفارض ، وابن
عربي ، وغيرهما .
2. الاتحاد الخاص : هو اعتقاد أن الله عز وجل اتحد ببعض المخلوقات دون بعض .
فالقائلون بذلك نزهوه من الاتحاد بالأشياء القذرة القبيحة ، فقالوا : إنه اتحد
بالأنبياء ، أو الصالحين ، أو الفلاسفة ، أو غيرهم ، فصاروا هم عين وجود الله جل
وعلا .
كقول بعض فرق النصارى : إن اللاهوت اتحد بالناسوت ، فصارا شيئاً واحداً ، وهذا
بخلاف القائلين بالحلول ، فهم يرون أن له طبيعتين : لاهوتيةً وناسوتيةً .
فالاتحادية قالوا بواحد ، والحلولية قالوا باثنين .
د. " الفرق بين الحلول والاتحاد " :
الفرق بينهما يتلخص فيما يلي :
1. أن الحلول إثبات لوجودين ، بخلاف الاتحاد فهو إثبات لوجود واحد .
2. أن الحلول يقبل الانفصال ، أما الاتحاد فلا يقبل الانفصال .
هـ. " أمثلة يتبين بها الفرق بين الحلول والاتحاد " :
هناك أمثلة كثيرة منها :
أ. السُّكَّر إذا وضعته في الماء دون تحريك : فهو حلول ؛ لأنه ثَمَّ ذاتان ، أما
إذا حركته فذاب في الماء : صار اتحاداً ؛ لأنه لا يقبل أن ينفصل مرة أخرى .
أما لو وضعت شيئاً آخر في الماء كأن تضع حصاة : فهذا يسمَّى حلولاً ، لا اتحاداً ؛
لأن الحصاة شيء ، والماء شيء آخر ، وهما قابلان للانفصال .
و. " حكم هذه الاعتقادات وأيهما أشد " :
لا ريب أن القول بالحلول أو الاتحاد هو من أعظم الكفر والإلحاد - عياذاً بالله - .
ولكن الاتحاد أشد من الحلول ؛ لأنه اعتقاد ذات واحدة ، بخلاف الحلول ، ثم إن القول
بأنه اتحد في كل شيء أعظم من القول بأنه اتحد في بعض مخلوقاته .
وبالجملة : فإن اعتقاد " الحلول والاتحاد " اعتقاد ظاهر البطلان ، وقد جاء الإسلام
بمحوه من عقول الناس ؛ لأنه اعتقاد مأخوذ من مذاهب وفلسفات ووثنيات هندية ويونانية
ويهودية ونصرانية وغيرها ، تقوم على الدجل ، والخرافة .
باختصار وتصرف من كتاب " مصطلحات في كتب العقائد " للشيخ محمد بن إبراهيم الحمد ( ص
42 – 47 ) .
والله أعلم .
تعليق