الحمد لله.
ورد في صفات أهل الجنة الخَلْقية مجموعةٌ من الأحاديث ، نقف من خلالها على بعض تفاصيل عالم الغيب الذي نرجو أن يكرمنا الله عز وجل بمشاهدته والتنعم به .
أولا : طولهم ستون ذراعا في السماء .
دليله حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا ، فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ : اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٌ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ ، فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ . فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ . فَقَالُوا : السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ . فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ، فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ ، فَلَمْ يَزَلْ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الْآنَ )
رواه البخاري (رقم/6227)، ومسلم (رقم/2834)، والذراع مقياس تقديره بالمقاييس المعاصرة (64 سم) كما جاء في " المعجم الوسيط " (1/311)
ثانيا : أجسامهم جرداء من الشعر .
ثالثا : أعمارهم ما بين الثلاثين والثلاث وثلاثين سنة .
دليله حديث مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( يَدْخُلُ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ جُرْدًا ، مُرْدًا ، مُكَحَّلِينَ ، أَبْنَاءَ ثَلاَثِينَ أَوْ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً )
رواه الترمذي (حديث رقم/2545) وقال حسن غريب . ورواه الإمام أحمد في " المسند " (13/315) من حديث أبي هريرة وصحابة آخرين .
والحديث صححه أبو حاتم في "العلل" (3/272)، والألباني في "السلسلة الصحيحة" (6/1224)، وحسنه محققو المسند طبعة مؤسسة الرسالة ، والهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/402).
وقوله عليه الصلاة والسلام : ( جُرْدا ) جمع أجرد ، وهو الذي خلا جسمه من الشعر . كما في "القاموس" (ص/347).
وكذلك الأمرد هو الشاب الذي طر شاربه ـ أي: نبت ـ ولم تنبت لحيته . " القاموس " (ص/407)
يقول المباركفوري رحمه الله :
" ( أو ) للشك من الراوي ، وقد وقع في حديث أبي هريرة عند أحمد وابن أبي الدنيا والطبراني والبيهقي : ( أبناء ثلاث وثلاثين ) بالجزم ، وكذا في حديث المقدام عند البيهقي بإسناد حسن على ما في الترغيب " انتهى.
" تحفة الأحوذي " (7/254)
رابعا : جمالهم كجمال يوسف عليه السلام .
خامسا : قلوبهم كقلب أيوب عليه السلام .
ورد في هاتين الصفتين حديثان اثنان :
الحديث الأول : يرويه ابن أبي الدنيا في "صفة الجنة" (رقم/210) فيقول :
حدثنا القاسم بن هاشم ، ثنا صفوان بن صالح ، قال : حدثني رواد بن الجراح العسقلاني ، ثنا الأوزاعي ، عن هارون بن رئاب ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( يدخل أهل الجنةِ الجنةَ على طول آدم عليه السلام ، ستون ذراعا بذراع الملك ، على حسن يوسف ، على ميلاد عيسى ثلاث وثلاثون سنة ، وعلى لسان محمد صلى الله عليه وسلم ، جرد مرد مكحلون )
وهذا إسناد ضعيف ، فقد اختلف في سماع هارون بن رئاب - الثقة العابد - من أنس بن مالك رضي الله عنه . "جامع التحصيل" (ص/292)
ورواد بن الجراح الشامي : ضعفه كثير من أهل العلم ، وأخذوا عليه وجود المناكير والتفردات والمخالفات في حديثه ، قال البخاري : كان قد اختلط ، لا يكاد يقوم حديثه ، ليس له كبير حديث قائم . وقال أبو حاتم : تغير حفظه في آخر عمره ، وكان محله الصدق . وقال النسائي : ليس بالقوي ، روى غير حديث منكر ، وكان قد اختلط . وقال أبو أحمد ابن عدى : عامة ما يرويه لا يتابعه الناس عليه ، وكان شيخا صالحا ، وفى حديث الصالحين بعض النكرة ، إلا أنه يكتب حديثه . وذكره ابن حبان في كتاب " الثقات " وقال : يخطىء ويخالف . وقال الدارقطني : متروك . انظر: "تهذيب التهذيب" (3/289)
الحديث الثاني :
عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
( يُحْشَرُ مَا بَيْنَ السِّقْطِ إِلَى الشَّيْخِ الْفَانِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي خَلْقِ آدَمَ ، وَقَلْبِ أَيُّوبَ ، وَحُسْنِ يُوسُفَ مُرْدًا مُكَحَّلِينَ .
قُلْنَا : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ! فَكَيْفَ بِالْكَافِرِ ؟
قَالَ : يُعَظَّمُ لِلنَّارِ حَتَّى يَصِيرَ غِلَظُ جِلْدِهِ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا ، وَقَرِيضَةُ النابِ مِنْ أَسْنَانِهِ مِثْلُ أُحُدٍ )
ورد هذا الحديث من طرق ثلاثة :
1- من طريق يزيد بن سنان أبي فروة الرهاوي ، قال حدثني أبو يحيى الكلاعي ، عن المقدام به .
رواه الفسوي في " المعرفة والتاريخ " (2/95)، وابن قانع في " معجم الصحابة " (3/106)، والطبراني في " المعجم الكبير " (20/280)، والبيهقي في " البعث والنشور " (رقم/410)، والديلمي في " مسند الفردوس " (8785)، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (60/184،193)، وعزاه ابن حجر في "المطالب العالية" (رقم/4750) لأبي يعلى الموصلي .
وهذا إسناد ضعيف بسبب يزيد بن سنان ، قال أحمد وابن المديني والنسائي : ضعيف . وقال ابن معين : ليس حديثه بشيء . وقال ابن عدي : عامة أحاديثه غير محفوظة . وانظر: "تهذيب التهذيب" (11/336)
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/334) :
" رواه الطبراني ، وفيه يزيد بن سنان أبو فروة الرهاوي ، وهو ضعيف ، وفيه توثيق لين " انتهى.
2- الطريق الثاني عن إسحاق بن إبراهيم بن زبريق الحمصي ، ثنا عمرو بن الحارث ، عن عبد الله بن سالم ، عن محمد بن الوليد بن عامر الزبيدي ، ثنا سليم بن عامر ، أن المقدام بن معدي كرب : حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( ما من أحد يموت سقطا ولا هرما - وإنما الناس فيما بين ذلك - إلا بعث ابن ثلاثين سنة ، فمن كان من أهل الجنة كان على مسحة آدم ، وصورة يوسف ، وقلب أيوب ، ومن كان من أهل النار عظموا وفخموا كالجبال )
رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (20/280)، والبيهقي في " البعث والنشور " (رقم/411)
قال الشيخ الألباني رحمه الله :
" السند ليس بصحيح ، وذلك لأمرين :
الأول : أن عمرو بن الحارث الحمصي لم تثبت عدالته . قال الذهبي : روى عن عبد الله بن سالم الأشعري فقط ، وله عنه نسخة ، تفرد بالرواية عنه إسحاق بن إبراهيم ، زبريق ، ومولاة له اسمها علوة ، فهو غير معروف العدالة ، وزبريق ضعيف . وقال الحافظ : مقبول . يعني عند المتابعة ، وقد توبع عليه كما يأتي .
والآخر : أن إسحاق بن إبراهيم مختلف فيه ، وقد رأيت آنفا جزم الذهبي بأنه ضعيف ، ومثله قول الحافظ وفيه بيان السبب : صدوق يهم كثيرا ، وأطلق محمد بن عوف أنه يكذب " انتهى.
"السلسلة الصحيحة" (6/47)
وقال ابن كثير رحمه الله عن الطريق الأول والثاني :
" فيهما ضعف " انتهى.
"النهاية" (ص/273)
3- الطريق الثالث رواه أبو نعيم في " صفة الجنة " (رقم/268) قال : حدثنا أبو محمد بن ماسي، ثنا أحمد بن أبي عوف ، ثنا عيسى بن مساور ، ثنا الوليد بن مسلم ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، عن سليم بن عامر ، عن المقدام بن معدي كرب به .
قال الشيخ الألباني رحمه الله :
" الإسناد صحيح لولا عنعنة الوليد بن مسلم " انتهى.
" السلسلة الصحيحة " (6/45)
فالحاصل أن أفراد أسانيد هذا الحديث ضعيفة ، ولكن لعله أن يتقوى بمجموع طرقه ، ولذلك حسن المنذري الحديث في " الترغيب والترهيب " (4/274)، وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (رقم/2512).
وبهذا يتبين صدق ما ورد في السؤال من صفات أهل الجنة عدا ثلاث صفات :
عذوبة الصوت مثل عذوبة صوت سيدنا داود عليه السلام .
العفو والتسامح مثل عفو سيدنا يعقوب عليه السلام .
الأخلاق والعادات مثل أخلاق وعادات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
فهذه الصفات لم نقف على أدلة لها .
والله أعلم .
تعليق