الأحد 23 جمادى الأولى 1446 - 24 نوفمبر 2024
العربية

يسأل سائل \" هل لي أن أدخن وأشرب الخمر في الجنَّة \" ؟!

155313

تاريخ النشر : 27-11-2010

المشاهدات : 51649

السؤال

سمعت أنه إذا اجتنبت المسكرات في الدنيا فإنك سوف تلاقيها في الجنة ، وسؤالي هو : هل لي أن أدخن وأشرب الخمر في الجنَّة ؟ .

الجواب

الحمد لله.


إن المسلم العاقل ليُدرك بأدنى تأمل الفرق العظيم بين ما أعدَّه الله تعالى للمؤمنين في الجنة في نعيم وبين ما يكون من جنسه في الدنيا ، فالأشجار والأنهار والثمار والحرير والعسل أشياء مشتركة بين الدنيا والآخرة لكنْ ثمة فرق عظيم بين الأمرين ، فليس في الجنة مما في الدنيا إلا المشابهة في الأسماء .
قال تعالى ( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) البقرة/ 25 .
قال القرطبي – رحمه الله - :
أي يشبه بعضه بعضا في المنظر ويختلف في الطعم. قاله ابن عباس ومجاهد والحسن وغيرهم. وقال عكرمة : يشبه ثمر الدنيا ويباينه في جل الصفات. ابن عباس : هذا على وجه التعجب ، وليس في الدنيا شيء مما في الجنة سوى الأسماء ، فكأنهم تعجبوا لما رأوه من حسن الثمرة وعظم خلقها .
" تفسير القرطبي " ( 1 / 240 ) .

هذا في المقارنة بين ما أنعم الله تعالى به علينا في الدنيا ، وما أعدَّه لنا في الآخرة في الجنَّة ، ولا مجال لأن نقارن بين ما يصنعه الإنسان في الدنيا من محرَّمات ومهلكات ، وبين ما يكون في الآخرة من نعيم إذا نُصَّ على وجود جنسه فيها ، فالخمرة التي يصنعها الإنسان في الدنيا لا يمكن أن تقارن بما أعدَّ الله من خمرة في الجنة ، فخمر الدنيا مع كونها محرَّمة فهي مسببة لأمراضٍ شتَّى ، فهي مُهلكة ، وليست مما أنعم الله به على أهل الدنيا ، بل هي أم الخبائث ومما أوجب الله تعالى علينا اجتنابه ، وأما خمر الآخرة فقد ذكر الله تعالى لها مواصفات غاية في الجمال والنعيم ، فهي : بيضاء ، لذة للشاربين ، ولا تسبب صداعاً ولا ألماً في البطن ولا ذهاباً للعقل ، بخلاف خمر الدنيا المفسدة المهلكة لأصحابها .
فأعدَّ نفسك – أخي السائل – لا لزجاجة خمر في الجنة بل لنهر خمر ! كما وعدك الله تعالى به إن أدخلك الجنة وكنتَ مجتنباً لخمر الدنيا ؛ قال تعالى ( مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ) محمد/ 15 .
واعلم أن من تجرأ على شرب الخمر ولم يتب منها : فإنه يُحرم من خمر الجنة حتى لو كان من أصحاب الجنَّة ، كما روى مسلم ( 2003 ) عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله ( وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ، فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ ، لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الآخِرَةِ ) .
وانظر تفصيلاً نافعاً في هذا في جوابي السؤالين (96983 ) و ( 22769 ) .

وما قلناه في " الخمر " نقوله في " الدخان " ، والفرق بينهما : أننا لم نُوعَد بشرب الدخان في الجنة ! لأنه ليس طعاماً ولا شراباً ولا فيه متعة ، ومع ذلك فلا يبعد أن المسلم لو اشتهاه لحققه له ربه تعالى ، لكن – قطعاً – لن يكون ضارّاً خبيثاً كما هو حال دخان الدنيا ، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لصحابته عن رجل استأذن ربَّه في الجنة – إخباراً عن المستقبل – في أن يزرع في الجنة ! وأن الله تعالى حقق له ذلك ، وفي بعض الأحاديث تحقيق رغبة من اشتهى أن يولَد له - وتجد هذين الحديثين في جواب السؤال رقم ( 114 ) - حتى قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعليقاً على حديث الزرع :
وفي هذا الحديث من الفوائد : أن كل ما اشتهي في الجنة من أمور الدنيا ممكن فيها ، قاله المهلب .
" فتح الباري " ( 5 / 27 ) .
وانظر جواب السؤال رقم ( 4994 ) ففيه الإجابة عن السؤال " لماذا حرمت أشياء في الدنيا وهي في الجنة حلال ؟ " .
وانظر جواب السؤال رقم ( 130289 ) ففيه بيان تنزيه نفوس أهل الجنة عن مستقذرات الدنيا .
والخلاصة :
أن نعيم الجنة مقيم ، وأن للعبد في الجنة ما تشتهيه نفسه ، ولن تكون نفس المؤمن هناك كما هي في الدنيا ، وما سيراه المؤمن فيها من نعيم أعظم من أن يشتهي معه شرب " سيجارة " ! ومع ذلك فلن يُمنع منها لو اشتهاها ، وستأتي له بأكرم وألذ وأطيب شيء يستمتع به مما كان يظن نفسه مستمتعاً به مَن شربها في الدنيا .
فاعمل أخي المسلم على أن تنال رضا ربِّك بطاعته والبُعد عما يسخطه منك ، واسأل الله تعالى صادقاً الجنة وما يقرِّب إليها من قول وعمل ، وأن يباعدك عن النار وما يقرِّب إليها من قول وعمل .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب