الحمد لله.
أولاً:
" الحلاَّج " من أشهر الزنادقة الذين قتلوا لزيغهم وإلحادهم ، وقد حكم عليه أئمة زمانه من أهل السنَّة بالقتل ردَّة ؛ لما جاء به من مقالات فاسدة لا يشك مسلم في بطلانها وزندقة قائلها .
قال القاضي عياض – رحمه الله - :
"وأجمع فقهاء بغداد أيام المقتدر من المالكية على قتل الحلاج وصلبه لدعواه الإلهية
والقول بالحلول ، وقوله : " أنا الحق " مع تمسكه في الظاهر بالشريعة ، ولم يقبلوا
توبته .انتهى من " الشفا بتعريف حقوق المصطفى " ( 2 / 1091 ) .
ومن علَم ما يقوله الحلاَّج فأقرَّه على أقواله ، أو أثنى عليها وهو يعلم حاله :
فحكمه حكم الحلاَّج ، فيكون مرتدّاً مثله يستحق القتل .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
"مَن اعتقد ما يعتقده الحلاج مِن المقالات التي قُتل الحلاج عليها : فهو كافر مرتد
باتفاق المسلمين ؛ فإن المسلمين إنما قتلوه على " الحلول " و " الاتحاد " ونحو ذلك
من مقالات أهل الزندقة والإلحاد كقوله " أنا الله " ، وقوله " إله في السماء وإله
في الأرض " .انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 2 / 480 ) .
وأما من كان جاهلاً بمقولات الحلاَّج وزندقته ، فإنه يعرّف بحاله ، وكلام أهل العلم
عليه ، وما اتفق عليه الفقهاء من زيغه ، وسوء معتقده .
وأما من لم يثبت عنده أن الحلاج قد قال ما قال ، فليس أقل من أن يعرف ما في هذه
المقالات من الزيغ والإلحاد ، فيتبرأ منها ومن أهلها .
قال الإمام الذهبي رحمه الله :
" فتدبَّر - يا عبد الله - نِحلة الحلاج الذي هو مِن رؤوس القرامطة ودعاة الزندقة ،
وأنصِف وتورع واتق ذلك وحاسب نفسك ، فإن تبرهن لك أن شمائل هذا المرء شمائل عدو
للاسلام محب للرسائة حريص على الظهور بباطل وبحق : فتبرأ من نحلته .
وإن تبرهن لك - والعياذ بالله - أنه كان - والحالة هذه - محقّاً هادياً مهديّاً :
فجدِّد إسلامك واستغث بربك أن يوفقك للحق وأن يثبت قلبك على دينه ؛ فإنما الهدى نور
يقذفه الله في قلب عبده المسلم ، ولا قوة إلا بالله .
وإن شككت ولم تعرف حقيقته ، وتبرأت مما رمي به : أرحت نفسك ، ولم يسألك الله عنه
أصلاً " انتهى من " سير أعلام النبلاء " ( 14 / 345 ) .
فهذا الإمام إن كان جاهلاً بحال الحلاَّج فيجب عليكم
تعريفه بحاله وذِكر حكم العلماء عليه وبيان عقائده الفاسدة التي تسببت بقتله ، فإن
ترضى عنه بعدها أو أثنى عليه ، فهو على شاكلته ، وهكذا من زعم أن لكلامهم وجها في
الصواب ، أو يمكن تأويله بما يوافق الشريعة ؛ وحينئذ فليس لكم أن تصلوا وراءه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
ومَن كان محسناً للظن بهم ، وادَّعى أنه لم يعرف حالهم : عُرّف حالهم ، فإن لم
يباينهم ويُظهر لهم الإنكار وإلاّ أُلحق بهم وجُعل منهم .
وأما مَن قال : لكلامهم تأويل يوافق الشريعة : فإنه من رؤوسهم وأئمتهم ، فإنه إن
كان ذكيّاً : فإنه يَعرف كذب نفسه فيما قاله ، وإن كان معتقداً لهذا باطناً وظاهراً
: فهو أكفر من النصارى ، فمَن لم يكفر هؤلاء وجعل لكلامهم تأويلاً : كان عن تكفير
النصارى بالتثليث والاتحاد أبعد.
انتهى من" مجموع الفتاوى " ( 2/ 132 ، 133 ) .
وانظر جواب السؤال رقم ( 21379
) ففيه ترجمة الحلاج ، وبيان شيء من اعتقاده الفاسد.
وانظر جواب السؤال رقم ( 93150
) للنظر في تفصيل الصلاة خلف الإمام الصوفي .
ثانياً:
أما شتمه للوهابية فهذا لا يكون عذراً لكم في ترك الصلاة وراءه ؛ فالتلبيس على
الخاصة والعامة في شأن أئمة الدعوة النجدية كثير ، والمهم أن لا يتعرض الشخص لعقائد
الإسلام المجمع عليها والمعلومة من الدِّين بالضرورة ، وأما الأشخاص أنفسهم فلا
نعقد مع الناس ولاءً وبراءً عليهم .
وأما صلاته على النبي صلى الله عليه وسلم بقوله " اللهم صل على سيدنا محمد بن عبد
الله صلاة تملأ العرش وما حواه " : فلا يظهر لنا فيها شيء يخالف الشرع ، وإن كان
فيها من التكلف والإغراب ما يرغب المرأ عنها .
وأما قنوته للفجر : فهو مخالف للسنَّة ، فلا يجوز تخصيص الفجر بقنوت ، ولكن هذا ليس
عذراً لترك الصلاة خلفه ، فهي من مسائل الخلاف العملي المعتبرة بين أهل العلم .
وأما قوله " اللهم كن بنا كالابن البار بوالده " : فهو قولٌ قبيح ، يدل على جهل
قائله بالشرع ، وعلى عدم تعظيمه لربِّه تعالى ، ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ
قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ
مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) الزمر/ 67 .
وكيف يخطر لمسلم أن يدعو ربَّه الرحيم الرحمن ذا الرحمة الواسعة والذي وسعت رحمته
كل شيء ، كيف يخطر بباله أن أن يطلب منه أن يكون رحيما كرحمة الابن البار بأبيه ؟!
فينبغي لذاك الإمام التوقف عن هذا الدعاء السمج القبيح ، ولا يحل له الاستمرار عليه
، فإن أصرَّ فلا بأس بترك الصلاة خلفه تعزيراً له ، وتعظيماً لقدْر الرب عز وجل .
واعلم أخي السائل أن أهل السنَّة هم أعلم الناس بالحق وأرحمهم بالخلق ، وأن هذا
الإمام – وأمثاله كثير – لهم حق عليكم في تعليمهم ونصحهم ، لكن نوصيكم أن يكون ذلك
بالحسنى ، وما ذكرناه من الأحكام فيما يتعلق باعتقاد الإمام وأقواله ، لا يعني
الشدة والعنف في معاملته ، فالأمران مختلفان ، وفرعون الطاغية قد بلغ به الأمر أن
قال " أنا ربكم الأعلى " ومع هذا فقد قال الله تعالى للرسوليْن الكريمين موسى
وهاورن عليهما السلام لما أرسلا إليه ( فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ
يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ) طه/ 144 .
والله أعلم
تعليق