الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

مسلمة جديدة تركت أهلها، وتشعر بالوحدة والندم !

160704

تاريخ النشر : 26-05-2021

المشاهدات : 14373

السؤال

انا اواجه مشكلة كبيرة، ولن اطيل عليكم :

أنا فتاة غير مسلمة، ولكنني منذ فترة بدأت أتعرف على الإسلام، فأحببته، ثم اعتنقت الإسلام. وأحاول تطبيقه بشكل والحمد لله وقد لبست الحجاب. وقد اضطررت إلى الانتقال من المدينة التي فيها أهلي، خوفا على نفسي، وتنقلت بين أماكن عديدة، وفي كل مكان أذهب إليه، لا أرتاح.

المشكلة التي أعانيها : أني بدأت أشعر بشيء من الندم، والوحدة، الندم على أشياء كثيرة، لا سيما والشعور بالوحدة، والوحشة، بعيدا عن أهلي، لأنني احبهم كثيرا والعيش بدونهم يكاد يصبح مستحيلا.

وأريد مساعدة لأنني بدأت اشعر بالتعب ولا أستطيع التحمل أكثر من ذلك أرجوكم ان تساعدوني لأنني لم يعد لي احد بالدنيا الا الله.

الجواب

الحمد لله.

اسمحي لنا أيتها الأخت الكريمة أن نبدأ جوابك بتصحيح عبارة وردت في سؤالك ، تقولين : " أنا فتاة غير مسلمة " ؛ لنقول لك : لا ؛ هكذا كنت في الماضي ، وحالكِ الأولى : غير مسلمة ؛ أما وقد أحببتِ الإسلام ، واعتنقتهِ ، فقد صرت مسلمة حقيقة ؛ لك ما للمسلمين ، وعليك ما عليهم . وانطلاقاً من هذا المبدأ ينبغي أن تكون حياتك ، ومن خلال هذا المنظار ، ينبغي أن تكون رؤيتك ، يا أمة الله .

لقد من الله عليك بأعظم نعمة ينعمها على عباده ؛ فشرح صدرك للإسلام وهداك إليه :  فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ   سورة الأنعام/125، لقد فتح الله عينيك لنوره ، بعد ما عشتِ طويلاً في الظلام ؛ لقد أحبك وتولاك وأيدك حين هداك للإيمان ، وحببك فيه : قال تعالى:  اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ  "(البقرة/257) . لقد نبهناك على خطأ قولك: أنا فتاة غير مسلمة "، لنقول لك : إن النشأة الأولى التي نشأت فيها ، قد زال عنك أثرها بالكلية حين دخلت في دين الله الحق ، ونقول لك : هكذا كان أصحاب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، بل عامة أصحاب الأنبياء عليهم السلام : ولدوا في بيئة جاهلية تكفر بالله جل جلاله ، وتشرك به ، ثم شرح الله صدورهم لنوره ، وأتم عليهم نعمته بدينه ، فولدوا من جديد ، وصاروا خير الناس ، وأئمة الهدى والرشاد.

لقد مر هؤلاء الذين سبقوك جميعاً بتجربة الابتلاء القاسية الشديدة : لقد عذبهم أقوامهم وأقرباؤهم ، فقاطعوهم وهجروهم ، وسبوهم وضربوهم ، بل طردوهم من بلادهم وأخرجوهم ، بل قتلوهم أشنع قتل ليفتنوهم ويصدوهم عن دينهم ،فاسمعي إلى قول خباب بن الأرت رضي الله عنه ، وقد كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، المستضعفين ، المعذبين لأجل دينهم ، قال : " شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَقُلْنَا أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلَا تَدْعُو لَنَا فَقَالَ : قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهَا فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرُ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ  رواه البخاري(6544) .

وهكذا كان أتباع الأنبياء الصادقون :  وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ   سورة آل عمران.
وهكذا سنة الله في عبادة المؤمنين : أن يصيبهم ألوان من الأذى الحسي والمعنوي ، ليختبر الصادق منهم من الكاذب ، والمؤمن من المنافق .
قال تعالى :  الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ  سورة العنكبوت.

ثم قال :  وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ  سورة العنكبوت .

لا تحسبي يا أمة الله أن هؤلاء الصادقين الصابرين كانوا فقط رجالاً يتحملون الأذى والعذاب ؛ لا ، بل كان منهم مؤمنات ؛ صادقات ، صابرات ، تعرضن لأشد المحن ، وأفظع ألوان العذاب ، فكان ذلك أخف عليهن ، وأسهل على قلوبهن من الكفر بعد الإيمان :
لقد كان هناك ملك ظالم جبار كافر ، آمن أقوام من شعبه ، وانتشر فيهم الدين الصحيح ؛ فماذا فعل ؟ قرر إحراق المؤمنين جميعاً !!  فَأَمَرَ بِالأُخْدُودِ فِى أَفْوَاهِ السِّكَكِ فَخُدَّتْ ، وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ وَقَالَ مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا. أَوْ قِيلَ لَهُ اقْتَحِمْ. فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِىٌّ لَهَا فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا فَقَالَ لَهَا الْغُلاَمُ يَا أُمَّهِ اصْبِرِى فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ  صحيح مسلم ( 7703) ].

لقد أوشكت هذه المرأة أن تضعف وتتراجع ، رحمة بصغيرها ، وشفقة عليه ، فأنطق الله تعالى الغلام الرضيع ، وكلمها وهو في المهد ، كما تكلم عيسى عليه السلام وهو في المهد ، ليصبرها على الحق ، ونور الإسلام ، حتى وإن احترقت بنار الدنيا ، فأي شيء تساوي هذه النار ، إذا قيست بلحظة من عذاب الكفار ؟!
وأما سمية ، أم عمار بن ياسر رضي الله عنهم ، فقد طعنها عدو الله أبو جهل بحربته ، في قلبها ، حتى قتلها ، فكانت أول شهيدة في الإسلام . [سير أعلام النبلاء (1/409)].
وهكذا وقع الكثير والكثير لهؤلاء المؤمنات الصادقات : خسرن الأهل ، والزوج ، والولد ، فما ندمن على شيء من ذلك فاتهن، ولا ضعفن في دين الله ، بل خرجن من الدنيا بأسرها مهاجرات إلى الله ، لم يحزنَّ على خسارة شيء ، حين ربحن مع الله :  إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ  سورة التوبة/111 .
ولهذا أمر الله بإيوائهن ونصرتهن وحمايتهن من العودة إلى الكفار :يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ  سورة الممتحنة/10.

إن دينك الجديد لا يمنعك من أن تبري أهلك ، وتصليهم ، وتحسني إليهم ، لكن شريطة أن تحافظي على دينك ، فلا يضعفك حالهم ، ولا يهز الإيمان في قلبك .

فإذا قدر أنهم تعصبوا عليك، ولم يتفهموا موقفك، ولم يتقبلوا حالك، واضطررت إلى الموازنة ؛ فلا ينبغي أن يكون لديك صعوبة تذكر في الاختيار ، إن الأمر واضح لا تردد فيه ، فدينك أعز عليك من روحك التي في صدرك ؛ وهكذا تعلمنا من دروس السابقين الصادقين :  قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ  سورة الممتحنة.
يا أمة الله ؛ إذا خسرت الله، فما قيمة ما تربحينه من الدنيا والناس .

وأما إذا ربحت في بيعك مع الله ، فلا يضرك ما فاتك من الدنيا ولو فاتتك بأسرها ؛ فمن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه .
ومن أحبه الله جل جلاله ، ألقى له المحبة و القبول في عباده :  إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا  سورة مريم/96 يعني : محبة في قلوب العباد .
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-   إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ إِنِّى أُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبَّهُ - قَالَ - فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِى فِى السَّمَاءِ فَيَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ. فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ - قَالَ - ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِى الأَرْضِ  رواه مسلم .

يا أمة الله ، إن ما أصابك من الحزن والندم ، هو من عدوك إبليس ، ليضعف سيرك وهجرتك إلى الله بدينك الجديد ، ويصدك عن الطريق ، فاحذري يا أمة الله ، احذري :  إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ  سورة المجادلة/10 .
أخرجي نفسك مما أنت فيه وثقي بربك ، وبإيمانك  وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ  سورة آل عمران/139.
اشغلي نفسك بطاعة الله ، وأكثري من ذكر الله ، وتلاوة القرآن فهو من أعظم أسباب الطمأنينة  الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ  سورة الرعد/28.
ثبتك الله ، وشرح صدرك للهدى ودين الرشاد .
وينظرالسؤال رقم (46623) ورقم (2644).
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب