الحمد لله.
اختلف العلماء في جواز صلاة الإمام جالساً إذا كان مريضاً أو عاجزاً عن القيام وخلفه من هو صحيح .
والصواب في ذلك جواز إمامته وصحة الاقتداء به .
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم : (11465) .
ويدل على ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
( إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا ، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا ، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ ) رواه البخاري (722) ومسلم (417) .
وينبغي أن يعلم أن المسألة التي سألتها ليست هي المسألة السابقة ، فذلك الإمام الذي صلى بكم هو قادر على القيام ، وقد صلى قائماً ، ولكنه عاجز عن الركوع والسجود ، وهي مسألة أخرى .
وقد اختلف العلماء في حكم الصلاة خلف العاجز عن الركوع والسجود .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" :
" مسألة : العاجزُ عن الرُّكوعِ والسُّجودِ والقعودِ ؛ هل تصحُّ الصلاةُ خلفَه ؟
سبق أنَّ المذهبَ : لا تصحُّ الصَّلاةُ خلفَه إلا بمثلِه .
ولكن الصحيحَ : أنَّ الصَّلاةَ خلفَه صحيحةٌ ؛ بناءً على القاعدةِ : "أنَّ مَن صحّتْ صلاتُه صحّتْ إمامتُه إلا بدليلٍ" . لأن هذه القاعدةِ دلَّت عليها النصوصُ العامةُ ؛ إلا في مسألة المرأةِ ، فإنَّها لا تصحُّ أن تكون إماماً للرَّجُلِ ، لأنَّها مِن جنسٍ آخرٍ .
وأيضاً : قياساً على العاجزِ عن القيام ، فإنَّ صلاةَ القادرِ على القيامِ خلفَ العاجزِ عنه صحيحةٌ بالنصِّ ، فكذلك العاجزُ عن الرُّكوعِ والسُّجودِ .
فإن قال قائل : إنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال : ( إذا صَلَّى قائماً فصلُّوا قياماً، وإذا صلّى قاعداً فصلّوا قعوداً أجمعون ) ولم يقلْ : إذا صَلَّى راكعاً فاركعوا ، وإذا أومأ فأومِئوا ؟
قلنا : إنَّ الحديثَ إنما ذَكَرَ القيام َ؛ لأنه وَرَدَ في حالِ العجزِ عن القيامِ ، فالرَّسولُ صلّى الله عليه وسلّم خاطَبهم حين صَلَّى بهم قاعداً ، فقاموا ، ثمَّ أشارَ إليهم فجلسوا ، فلهذا ذَكَرَ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم القيامَ كمثالٍ ؛ لأن هذا هو الواقع .
فعليه نقول : إنَّ القولَ الراجحَ: أنَّ الصلاةَ خلفَ العاجزِ عن الركوعِ صحيحةٌ ، فلو كان إمامُنا لا يستطيع الرُّكوعَ لأَِلَمٍ في ظهرهِ صلّينا خلفَه .
ولكن ؛ هل إذا رَكَعَ بالإِيماءِ نركعُ بالإِيماءِ ؟ أو نركعُ ركوعاً تاماً ؟
الظاهر : أننا نركعُ ركوعاً تامًّا ؛ وذلك لأنَّ إيماءَ العاجزِ عن الرُّكوعِ لا يغيرُ هيئةَ القيامِ إلا بالانحناءِ ، بخلافِ القيامِ مع القعودِ .
وأيضاً: القيام مع القعودِ أشارَ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم إلى عِلَّتِه بأنَّنا لو قمنا وإمامُنا قاعدٌ كنَّا مشبهين للأعاجمِ الذين يقفون على ملوكهم . ولهذا جاءَ في بعضِ ألفاظِ الحديث: ( إنْ كِدْتُم آنفاً لتفعَلُونَ فِعْلَ فارسَ والرُّومِ ، يقومونَ على مُلُوكهم وهم قُعودٌ ، فلا تفعلُوا ، ائْتَموا بأئمتِكُم ، إنْ صَلَّى قائماً فصلُّوا قياماً ، وإن صلى قاعداً فصلوا قعوداً ) .
فإذا كان إمامُنا قاعداً ، ونحن قيامٌ ، صِرنا قائمين عليه ، أما الرُّكوع ، إذا عَجَزَ عنه وأومأ وركعنَا فإننا لا نُشبه العَجَمَ بذلك .
وكذلك في العَجْزِ عن السُّجودِ ، الصحيحُ : أنه تصحُّ إمامةُ العاجزِ عن السُّجودِ بالقادرِ عليه ، وهل المأمومُ في هذه الحالِ يومئُ بالسُّجودِ ؟
الجواب: لا ، بل يسجدُ سجوداً تاماً .
وكذا العاجزُ عن القعودِ ، نصلِّي خلفَه مع قُدرتِنا على القعودِ ، كما لو كان مريضاً لا يستطيع القعودَ ويصلِّي على جنبِه .
ولكن هل نضطجعُ ؟
الجواب : لا ، لأنَّ الأمرَ بموافقةِ الإِمامِ إنَّما جاءَ في القعودِ والقيامِ ، وعلى هذا ؛ فنصلِّي جلوساً وهو مضطجعٌ ، وكذلك لو عَجَزَ عن القعودِ بين السجدتين مثلاً ، أو عن القعودِ في التشهُّدِ فإننا نصلِّي خلفَه .
إذاً فالصحيحُ : أننا نصلِّي خلفَ العاجزِ عن القيامِ والرُّكوعِ والسُّجودِ والقعودِ . وهذا القولُ هو اختيارُ شيخِ الإِسلامِ ابنِ تيمية رحمه الله . وهو الصحيحُ ؛ بناءً على عموماتِ الأدلةِ كقوله صلّى الله عليه وسلّم : ( يؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتابِ الله ) وعلى القاعدة التي ذكرناها وهي : أنَّ مَن صحّتْ صلاتُه صحّت إمامتُه " انتهى من "الشرح الممتع" (4/236-238) .
وسئل الشيخ أيضاً :
دخلت مسجداً وقت صلاة المغرب وتقدم رجلٌ ليصلى بالجماعة وعند سجوده مد رجله ولم
يسجد على الأعضاء السبعة ، علماً بأن ركبته وقدم الرجل لم تقع على الأرض ، فما حكم
من صلى خلف هذا ؟
فأجاب :
" هذا الإمام عاجزٌ عن السجود على الوجه المطلوب ...
وقد اختلف العلماء فيما إذا كان الإمام عاجزاً عن ركن هل يجوز أن يكون إماماً
للقادر عليه ؟ والصحيح أنه يجوز أن يكون إماماً للقادر عليه ؛ وذلك لأن هذا الإمام
العاجز يسقط عنه ما عجز عنه ويكون كأنه أتى به ...
لكن ينبغي أن يلتمس إمامٌ غيره قادر على فعل الأركان والقيام بالشروط ؛ لأن هذا
أحوط وأبرأ للذمة " انتهى باختصار من "فتاوى نور على الدرب" (182/21) .
وعلى هذا ، فالذي فعلته ، وهو عدم صلاتك خلف هذا الإمام العاجز عن الركوع والسجود
والجلوس هو قول لبعض العلماء ، والأصح : أنك كنت تصلي خلفه ، وصلاتك صحيحة إن شاء
الله تعالى .
والله أعلم
تعليق