الأحد 23 جمادى الأولى 1446 - 24 نوفمبر 2024
العربية

نصرانية تزوجت مسلما من غير ولي فهل يصح نكاحها

السؤال

أنا امرأة مسيحية تزوجت مؤخراً برجل مسلم ، وقد قرأت بعض الفتاوى والمعلومات على موقعكم ولا أدري إن كان زواجنا صحيحاً أم لا ، فلقد تزوجت دون ولي ، لقد تولى تزويجي إمام المسجد ! وعلى الرغم من أنه لم يمض على زواجنا إلا أربعة أشهر إلا أننا أصبحنا نتكلم في الطلاق ، لقد خرج من البيت ولا أدري أين هو الآن ، ولكننا نتواصل عبر رسائل الموبايل ، تزوجته منذ أربعة أشهر بعد أن خرج من السجن ، ولكن في الحقيقة كنت على علاقة معه قبل دخوله السجن وقبل تمسكه بالإسلام ، ولدينا أولاد من تلك العلاقة السابقة .
وعلى الرغم كذلك من أني لا أرى الطلاق حلاًّ ناجعاً إلا أنه خيار مطروح وبقوة ، لقد اتفقت معه أن يكمل إجراءات الطلاق وفقاً للإسلام ، وأنا أتولى ذلك عبر الأوراق الرسمية وقانون الولاية التي نعيش فيها . إن سبب مشكلتنا :

هي طريقة تفكيره ، فبعد أن خرج من السجن صار يرى كل شيء من وجهة نظره هو كمسلم ، وليس عندي بأس في ذلك ، فقد انصعت له في كثير مما يريد ، كالابتعاد عن الخمر والموسيقى وضرورة اللبس المحتشم ، وأعطيته صلاحية كاملة في أن يعلّم الأولاد الإسلام ، وغير ذلك من الأشياء ، بل إنه منعني من أن أتكلم مع معارفي من الرجال والذين أعرفهم منذ سنوات ، ومع ذلك فقد كان له ما يريد .
ومع هذا كله يبدو أنه غير راضٍ ، ويريد أن يدخلني الإسلام بالقوة ! إنّي أحترم الإسلام وأحب كثيراً من المفاهيم التي ينهض لها ، غير أن سلوك زوجي ينفرني ويجعلني أراجع حساباتي ، ولا أبالغ إن قلت إنه بأسلوبه هذا يعقّدني ويكرّهني في دينه .
أنا على قناعة إننا حتى وإن اختلفنا في الديانات فإنه لا بد وأن هناك سبيلاً للتعايش مع بعض كزوج وزوجة ، ولكن ليس الأمر كذلك بالنسبة له ، إنه يرى أنه لا كلام بيني وبينه ولن تستقيم الحياة إلا إذا اعتنقتُ الإسلام ! لم يسبق لي وأن وعدته أني سأعتنق الإسلام ، ولا أظن أحداً سيفعل لو كان في مكاني ، بعد أن يُقابل بهذه الغلظة والحماقة في الدعوة ، إنه يمتنع أن يتحدث معي في أي موضوع ، ويقول : لا حديث لنا إلا فيما يتعلق بالإسلام ! .
إنه يعتقد أنني أكره الإسلام ، في حين أن الأمر ليس كذلك ، لكن في الحقيقة لست مستعدة لاعتناقه ، على الأقل في الوقت الحاضر ، ولا أنكر أيضاً أنه قد سبق وأن تلفظت ببعض الكلمات التي لا تليق عن الإسلام ، ولكني أحمله المسؤولية في ذلك ؛ فقد كان يحتقرني ويسب ديني .
ولا أدري أي تديُّن هذا الذي يدّعيه ؟! إنه يتحدث مع النساء على " الفيس بوك " ، إحداهن امرأة كان على علاقة معها قبل أن يلتزم ، وقد أخبرته في ذلك فقال : إنه يدعوهن إلى الإسلام ! لكن الرسائل التي يتبادلونها تقول غير ذلك إنه يسألهن عما إذا كنّ متزوجات أم لا ، أي : إنه يبحث عن الزواج بإحداهن ، وقد وعد واحدة منهن أنه سيحضرها ويتحمل تكاليف سفرها إلى الولايات المتحدة .
إنه عاطل عن العمل ، ولا يكترث لي ولأولاده ، وهذا ما يدفعني أكثر ويبعدني عن الإسلام ، أي أنانية هذه التي يحملها ؟! وأي دين هذا الذي يمكن أن يملي عليه مثل هذه السلوكيات ؟! حتى في وقت الجماع نكون مع بعض ونمارس ما يمارسه الرجل مع زوجته ، وفجأة بعد أن يكون قد قضى ما يريد من شهوة يقوم وينصرف متجاهلاً حاجتي ورغبتي ، ويتحجج بأنه حان وقت الصلاة ! إنه يجرحني ويؤذي مشاعري باستمرار ، ومع هذا يقول إنه ليس بحاجة إلى أن يبرر لي تصرفاته طالما أني كافرة ! ألم يأمر الإسلام بالإحسان إلى الزوجات ؟! إنه يقول : إنه لا يمكنه أن يحبني طالما أني لست على ملته ، فهل هذا صحيح ؟! إنه يمنعني من أن أستشير أحداً في مشاكلنا هذه ، ويقول : إنها مشاكل زوجية لا ينبغي لأحد أن يطلع عليها ! لكن ما العمل وهو لا يريد أن يتحدث معي بخصوصها فكيف ستُحلّ إذاً ؟ .
إنني أنصحه أحياناً وألفت انتباهه إلى بعض الحقائق الإسلامية في كيفية التعامل مع الآخرين ، وأنا بذلك أنقل له ما تعلمته من موقعكم ، فيرد عليّ قائلاً : كيف يمكن لكافرة أن تعلمني الإسلام ؟! لا يحق لك أن تحدثيني عن الإسلام فلستِ سوى كافرة ختم الله على قلبك ، وستكونين وقوداً للنار ! . فهل لكم من كلمة أو نصيحة ؟ وأعتذر عن الإطالة .

الجواب

الحمد لله.


أولاً:
يشترط لصحة النكاح أن يعقده ولي المرأة .
وولي الكتابية من كان على دينها من عصبتها : أبوها ، أو جدها ، أو أخوها ... ، فإن لم يوجد أو امتنع : زوّجها القاضي المسلم إن وجد ، فإن لم يوجد : زوَّجها مدير المركز الإسلامي في منطقتها ؛ لأن الأصل في ولاية النكاح أنها للأب ثم للعصبة الأقرب فالأقرب ، فإذا عُدموا أو لم يكونوا أهلاً للولاية لأي مانع من الموانع ، أو امتنعوا بغير حق : انتقلت الولاية إلى الحاكم أو من ينيبه . " فتاوى اللجنة الدائمة " ( 18/ 162) .
وإن تزوجت المرأة بلا ولي ، أو زوجها إمام المسجد مع وجود وليها الذي على دينها ، فهذا النكاح مختلف فيه بين الفقهاء ، فإن وقع : لم يُنقض ، مراعاة للخلاف .
وفي كثير من البلدان الإسلامية ، يتبنى القضاء الشرعي مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله القائل بصحة نكاح المرأة من غير ولي .
وعليه : فإن لم يكن لك ولي على دينك ، أو كان لك ولي وامتنع عن تزويجك من هذا الزوج بغير حق ، فعقد لك إمام المسجد ، فالعقد صحيح .
وإن كان لك ولي ولم يمنع تزويجك ، لكنك زوجت نفسك ، أو زوجك إمام المسجد ، فهذا نكاح بلا ولي ، ولا يجوز ابتداء ، لكن ما دام أنه وقع ، فإنه لا ينقض ، وتكونين به زوجة .
فأنت الآن زوجة لهذا الرجل المسلم في جميع الأحوال .
ثانيا :
لا شك أن الإسلام يأمر بالإحسان إلى الزوجة كما ذكرت ، بل هذا من الأمور المعلومة المتقررة بالأدلة الكثيرة من القرآن والسنة ، وحسبك من ذلك قول الله تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) النساء/19 .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ) رواه البخاري (3331) ومسلم (1468) .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي ) رواه الترمذي (3895) وابن ماجه (1977) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
ومن العشرة بالمعروف :
1- التفاهم مع الزوجة ، ومشاورتها ، ومناقشتها ، والاستماع لنصحها ولو كانت غير مسلمة .
2- إعطاؤها حقها في الاستمتاع ، فلا يقوم عنها حتى تقضي شهوتها .
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله : " ويستحب أن يلاعِب امرأته قبل الجماع ؛ لتنهض شهوتُها ، فتنال من لذة الجماع مثل ما ناله ، وقد روي عن عمر بن عبد العزيز عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا تواقعها إلا وقد أتاها من الشهوة مثل ما أتاك لكيلا تسبقها بالفراغ ، قلت : وذلك إليَّ ؟ نعم إنك تقبِّلها ، وتغمزها ، وتلمزها ، فإذا رأيتَ أنه قد جاءها مثل ما جاءك : واقعتها ) .
فإن فرغ قبلَها : كُره له النزع حتى تفرغ ؛ لما روى أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إذا جامع الرجل أهله فليصدُقها ، ثم إذا قضى حاجته : فلا يَعجلها حتى تقضي حاجتها ) ؛ ولأن في ذلك ضرراً عليها ؛ ومنعاً لها من قضاء شهوتها " انتهى من " المُغني " ( 8 / 136) .
وكلا الحديثين ضعيفان ، لكنهما صحيحان من حيث المعنى والفقه .
قال المناوي – رحمه الله - : " ( إذا جامع أحدكم أهله ) أي : حليلته ، قال الراغب : وأهل الرجل في الأصل [ من ] يجمعه وإياهم سكن ؛ ثم عبر به عن امرأته .
( فليصدقها ) بفتح المثناة وسكون المهملة وضم الدال ، من الصدق في الود والنصح ، أي : فليجامعها بشدة ، وقوة ، وحُسن فعل جماع ، ووداد ، ونصح ، ندباً .
( فإن سبقها ) في الإنزال وهي ذات شهوة :
) فلا يعجلها ) أي : فلا يحملها على أن تعجل فلا تقضي شهوتها ، بل يمهلها حتى تقضي وطرها كما قضى وطره ، فلا يتنحى عنها حتى يتبين له منها قضاء أربها ؛ فإن ذلك من حسن المعاشرة ، والإعفاف ، والمعاملة بمكارم الأخلاق والألطاف .
ويؤخذ من هذا الحديث وما بعده : أن الرجل إذا كان سريع الإنزال بحيث لا يتمكن معه من إمهال زوجته حتى تنزل : أنه يُندب له التداوي بما يبطئ الإنزال ؛ فإنه وسيلة إلى مندوب ، وللوسائل حكم المقاصد " انتهى من " فيض القدير " ( 1 / 325) .
3- ومن حسن العشرة عدم تعيير الزوجة بدينها ومخاطبتها بالكافرة ، فإن هذا مخالف لأمر الله تعالى القائل : ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) النحل/ 125 .
ومخالف لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وصيته بالنساء كما سبق .
والمتزوج من كتابية قد تزوجها وهو يعلم دينها ، فما معنى أن يعيرها بذلك ، أو يقول لها إنه لن يحبها حتى تغير دينها ؟!
ثالثا :
لا يجوز إكراه الزوجة الكتابية على الإسلام ، بل ولا إكراه غيرها من الناس لقوله تعالى : ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) البقرة/ 256 .
رابعا :
الأصل أنه لا يجوز للمرأة طلب الطلاق ، إلا إن وجد العذر المبيح لذلك ، كامتناع الزوج عن النفقة عليها ، أو تكرار إساءته وسوء عشرته لها ، وقد شرع الله لنا طريقا عظيما لحل الخلافات الزوجية ، وهي أن تختار المرأة رجلا من أهلها ، ويختار الزوج رجلا من أهله ، فيقفان على أسباب الخلاف ، ويسعيان للعلاج ، ويقرران ما يريانه من البقاء على النكاح أو الطلاق .
قال تعالى : ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ) النساء/ 35 .
فليس صحيحا أن المشاكل الزوجية لا يطلع أحد عليها ، فإذا حصل الخلاف ولم يتمكن الزوجان من حله ، فلا سبيل إلا توسيط من يصلح بينهما ويقف على أسباب الخلاف ويسعى لمعالجته .
وإننا نلمس من سؤالك أنك محبة لزوجك ، راغبة في البقاء معه ، ولهذا نقول : لا تستعجلي في أمر الطلاق ، واحرصي على علاج هذه المشاكل ، ولْيعلم زوجك أنه مأمور بتحكيم شريعته في هذا الخلاف .
وهذ المبدأ لو تقرر في حياتكما ، ضمن لكما السعادة بإذن الله ، فكل خلاف يجب عرضه على شرع الله الذي يؤمن به زوجك ، وتحترمينه أنت : كتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ليعرف المحق من المبطل ، وللشريعة أهلها المختصون بعلمها ، فلا يستنكف الزوج أن يرجع إلى إمام المركز الإسلامي أو غيره من أهل العلم بالشريعة ، وأن يعرض هو وزوجته المشكلة عليه ، أو يكتبا مشكلتهما ، ويطلبا حكم الشريعة فيها ، ولن تأتي لك الشريعة إلا بالخير العظيم ، والكرامة التي تنشدينها .
خامسا :
إننا لنلمس كذلك من سؤالك عقلا راجحا ، ومنطقا سليما في التفكير ، وأنت مصيبة في جميع ما ذكرت - بحسب سؤالك - ولهذا نقول :
مثلك لا ينبغي أن يتخلف عن هذا الدين العظيم ، فإنه الدين الموافق للعقل والفطرة ، المعلي لشأن الأخلاق والقيم ، الذي يحث أتباعه على حسن المعاملة ، ومراعاة الشعور ، والإحساس بالآخرين ، وإنصاف للضعفاء ، واحترام الآدمية ، وتكريم الإنسان ، وهو دين واقعيٌ عملي ، فيه عشرات النصوص التي تعالج المشاكل الزوجية ، والقضايا الاجتماعية ، وهو كفيل بسعادة الأسرة ، والأمة ، والبشرية .
فنصيحتنا الصادقة لك : أن تبذلي الجهد في معرفة الإسلام من مصادره الصحيحة ، وأن لا يحجبك عنه سوء تصرفات أتباعه ، فإن الأتباع فيهم الصالح والطالح ، والمحسن والمسئ ، وهكذا الأمر في أتباع الأنبياء جميعا .
وإنه ليسرنا أن يكون موقعنا أحد المصادر التي ترجعين إليها .
نسأل الله أن يشرح صدرك للإسلام ، وأن يهدي قلبك للإيمان ، وأن يكتب لك التوفيق والسعادة في الدنيا والآخرة .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب