الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

لا حرج أن تتخلص من الكسب الحرام بإنفاقه على التعلم

177744

تاريخ النشر : 30-09-2012

المشاهدات : 14129

السؤال


خلال العشرة الأشهر الماضية وأنا أعمل ككاتبة ، أكتب الواجبات والمهام الدراسية للطلاب مقابل شيء من المال ، فعلت ذلك حتى أتمكن من جمع بعض المال لتسديد الرسوم الدراسية ، إلا أني قرأت فتوى على موقعكم تقول : إنه لا يجوز للطلاب أن يدّعوا فعل شيء من الواجبات لم يفعلوه هم على وجه الحقيقة ؛ لأن في ذلك غشا وخداعا للمدرسين ، والجامعة ، وبقية الزملاء من الطلاب ، لذا خشيت أن يكون ما كسبته من مال حرام على هذا الاعتبار ، فما العمل ، إن تخليت عن هذا المال ، فإني ربما لن أستطيع تسديد الرسوم الدراسية ، ولن أستطيع إكمال دراستي ، فهل يجوز استخدامها لتسديد الرسوم المستقبلية ، أو لتسديد الرسوم المتراكمة الماضية التي بدأت الفوائد الربوية تُضاف إليها شيئاً فشيئاً ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
سبق في موقعنا تقرير حرمة القيام بالواجبات المدرسية أو الجامعية مِن قِبَل أي أحد بدلا عن الطالب نفسه ، سواء كانت أبحاثا أم وظائف أم تجارب أم غيرها مما يكلف به الطلاب ؛ لما في ذلك من غش صريح للمعلم وللمؤسسة التعليمية وللطالب نفسه ، ويمكن الاطلاع على الفتاوى المتعلقة بالمسألة في موقعنا في الأرقام الآتية : (95893) ، (104812) ، (130118) .
ثانيا :
الذي نراه في حالة السائلة – بعد أن تتوب عن سابق عملها ولا تعود إليه – أنه لا حرج عليها في إنفاق ما اكتسبته في دفع رسومها الدراسية ، وذلك لسببين :
السبب الأول :
أنها لم تكن على علم بالحكم الشرعي للمسألة ، وهي ليست من ضروريات الشريعة التي لا يخفى مثلها على الناس ، بل من خفايا المسائل التي يغيب مثلها عن عامة الناس ، والجهل في مثل هذه الحالة عذر شرعي يرفع الإثم ويسقط المطالبة المالية لدى كثير من الفقهاء .
فقد جاء في اختيارات ابن تيمية رحمه الله : " من كسب مالا حراما برضاء الدافع ثم تاب : إن لم يعلم التحريم ثم علم ، جاز له أكله ، وإن علم التحريم أولا ثم تاب ، فإنه يتصدق به " انتهى من " الفتاوى الكبرى " (5/421) .
السبب الثاني :
نص كثير من الفقهاء أن طلب العلم – سواء كان دينيا أم دنيويا مباحا – من الحاجات الأساسية التي تراعى في وصف الفقر والمسكنة ، وفي جواز دفع الزكاة لسد الحاجة إليها .
قال الإمام النووي رحمه الله :
" لو قدر على كسب يليق بحاله إلا أنه مشتغل بتحصيل بعض العلوم الشرعية بحيث لو أقبل على الكسب لانقطع عن التحصيل حلت له الزكاة ؛ لأن تحصيل العلم فرض كفاية " انتهى من " المجموع " (6/190)
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله :
" إن كان المقبوض برضى الدافع وقد استوفى عوضَه المحرم ، كمن عاوض على خمر أو خنزير ، أو على زنى أو فاحشة ، فهذا لا يجب رد العوض على الدافع ؛ لأنه أخرجه باختياره ، واستوفى عوضه المحرم ، فلا يجوز أن يجمع له بين العوض والمعوَّض ، فإن في ذلك إعانة له على الإثم والعدوان ، وتيسير أصحاب المعاصي عليه ، وماذا يريد الزاني وفاعل الفاحشة إذا علم أنه ينال غرضه ويسترد ماله ، فهذا مما تصان الشريعة عن الإتيان به ، ولا يسوغ القول به وهو يتضمن الجمع بين الظلم والفاحشة والغدر .
ولكن لا يطيب للقابض أكله ، بل هو خبيث كما حكم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن خبثه لخبث مكسبه ، لا لظلم من أخذ منه ، فطريق التخلص منه وتمام التوبة بالصدقة به ، فإن كان محتاجا إليه فله أن يأخذ قدر حاجته ، ويتصدق بالباقي ، فهذا حكم كل كسب خبيث لخبث عوضه عينا كان أو منفعة ، ولا يلزم من الحكم بخبثه وجوب رده على الدافع ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بخبث كسب الحجام ، ولا يجب رده على دافعه " انتهى من " زاد المعاد " (5/691) .
وقد سبق اختيار ذلك في موقعنا في الفتوى رقم : (95418) .
فإذا كان المال الحرام سبيله الصدقة ، وكان مكتسب المال الحرام محتاجا إليه ليعينه على دراسته وطلبه للعلم ، فلا حرج عليه أن ينفقه على نفسه في هذا السبيل ، بشرط أن لا يعود إلى اكتساب مثله ، ويستغني بالحلال عن الحرام في قابل أيامه ، فقد قال الله عز وجل : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) الطلاق/2-3.
يقول الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله – في معرض حديثه عن التخلص من المال الحرام -:
" له أن يتصدق على نفسه وعياله إذا كان فقيرا ، أما عياله وأهله فلا يخفى ؛ لأن الفقر لا ينتفي عنهم بكونهم من عياله وأهله ، بل هم أولى من يتصدق عليهم ، وأما هو فله أن يأخذ منه قدر حاجته ؛ لأنه أيضا فقير ، ولو تصدق به على فقير لجاز ، وكذا إذا كان هو الفقير " انتهى من " إحياء علوم الدين " (2/132)، ونقله مؤيدا له الإمام النووي رحمه الله في " المجموع شرح المهذب " (9/351) .
وجاء في " الاختيار لتعليل المختار " (3/61) من كتب الحنفية :
" الملك الخبيث سبيله التصدق به ، ولو صرفه في حاجة نفسه جاز ، ثم إن كان غنيا تصدق بمثله ، وإن كان فقيرا لا يتصدق " انتهى.
وينظر جواب السؤال رقم (114789) ورقم (121252) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب