الحمد لله.
الأصل أن ولي النعمة هو الله تعالى الذي أنعم على عبده بنعمته السابغة الظاهرة والباطنة .
قال ابن القيم رحمه الله :
" الخير كله لله وفى يديه وبه ومنه فهو وليّ نعمته – يعني العبد - ومبتدئُه بها من غير استحقاق ، ومجريها عليه مع تَمَقُّتِه إليه بإعراضه وغفلته ومعصيته ، فحظه سبحانه الحمد والشكر والثناء ، وحظ العبد الذم والنقص والعيب " انتهى من "الفوائد" (ص 113) .
ولكن ذلك لا يمنع أن يكون أحد عباده سبحانه ، ممن منّ الله عليه ، وليّاً للنعمة على غيره من عباد الله ، مع ما هو معلوم من الفرق العظيم بين إنعام الله الحقيقي على عباده جميعا ، بخلق النعم ، وتقسيم الأرزاق ، وإنزالها من خزائنه سبحانه ، وبين أن ينعم بعض عباده بما أعطاه الله ، وملكه من النعم ، وجعله مستخلفا فيها ، فما هو إلا مجرى لنعم الله على عباده ؛ فإنعام الخالق بحسبه سبحانه ، وإنعام المخلوق بحسب ما للمخلوق المملوك من تخويل الله له من النعم .
وإطلاق " ولي النعمة " و " مولى النعمة " على صاحب النعمة معروف في اللغة والشرع ، وأقرب شيء في ذلك وأشهره إطلاقها على السيد المُعتِق .
روى البيهقي (21966) عَنْ هُزَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ : " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِى ابْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ : إِنِّى أَعْتَقَتُ غُلاَمًا لِى وَجَعَلْتُهُ سَائِبَةً فَمَاتَ وَتَرَكَ مَالاً فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : إِنَّ أَهْلَ الإِسْلاَمِ لاَ يُسَيِّبُونَ إِنَّمَا كَانَتْ تُسَيِّبُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنْتَ وَارِثُهُ وَوَلِىُّ نِعْمَتِهِ فَإِنْ تَحَرَّجْتَ مِنْ شَىْءٍ فَأَرنَاهُ نَجْعَلُهُ فِى بَيْتِ الْمَالِ " . وأصله في البخاري (6753) .
وقال القاضي عياض رحمه الله في "المشارق" (2/18) :
" مولى النعمة : المعتق " انتهى .
وقال الجصاص رحمه الله في أحكام القرآن" (2/231) :
" الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ ; لِأَنَّهُ وَلِيُّ نِعْمَةٍ فِي عِتْقِهِ ; وَلِذَلِكَ سُمِّيَ مَوْلَى النِّعْمَةِ " انتهى .
وقال أيضا رحمه الله :
" جَعَلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَقَّ مَوْلَى النِّعْمَةِ كَحَقِّ الْوَالِدِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : ( لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ ) رواه مسلم (1510) فَجَعَلَ عِتْقَهُ لِأَبِيهِ كِفَاءً لِحَقِّهِ وَمُسَاوِيًا لِيَدِهِ عِنْدَهُ وَنِعْمَتِهِ لديه " انتهى من "أحكام القرآن" (1/ 169) .
وراجع : "شرح منتهى الإرادات" (2 /500) ، "كشاف القناع" (4 /405) ، "اختلاف الأئمة العلماء" (2 /85) ، "أنيس الفقهاء" (ص 98) ، "الفواكه الدواني" (2/ 250) .
وفي اللغة :
قال ابن منظور رحمه الله :
" والمَوْلى مَوْلى النِّعْمة وهو المُعْتِقُ أَنعم على عبده بعتقِه " انتهى من"لسان العرب" (15 /405)
وراجع : "تهذيب اللغة" (5 /205) ، "المصباح المنير" (2/614) ،"تاج العروس" (40 /243).
فعلى ذلك لا يظهر ما يمنع من إطلاق ذلك في حق بعض الخلق ، مع استحضار الفرق السابق ، إلا أن يخشى أن يكون في الأمر شيء من الغلو في حق مخلوق ، أو المبالغة في منعه ، فيمنع حينئذ لأجل ذلك ، لا لأن المخلوق لا يصح أنه يكون له نعمة على غيره .
والله تعالى أعلم .
تعليق