الاثنين 17 جمادى الأولى 1446 - 18 نوفمبر 2024
العربية

تتأذى من استمرار طلب والد زوجها منه المساعدة المالية مع قدرته على العمل والكسب

السؤال


أعمل وأتقاضى راتباً شهرياً بمعدل 1500 دولار، كذلك زوجي يعمل ويتقاضى نفس الراتب ، نحن نعيش مع أولادنا في الولايات المتحدة في حين أن أبويّ زوجي يعيشان في أوروبا ، أبو زوجي في الثالثة والأربعين من العمر ، وله ولدين آخرين أحدهما في الثانية والعشرين ، والأخر في الخامسة والعشرين ، أحدهما متزوج ، وبنتين توأم في الرابعة عشرة . إن أباه يطلب المساعدة والدعم المالي بشكل مستمر، وأنا لا أجد حرجاً في أن نقدم له المساعدة لكن وضعهم يجعلني متحفظة بعض الشيء ، إنه ما زال في عمر صغير يمكّنه من العمل والاكتفاء ذاتياً، إلا أنه يتكاسل ولا يعمل إلا في الصيف في بعض أعمال البناء ، أما بقية الفصول وبالأخص الشتاء فإنه يتوقف متحججاً بأن الأعمال تتوقف خلال هذه المدة ، وهذا ليس عذراً للتوقف عن العمل نهائياً، بل أنه قد عُرض عليه عمل في أحد المخابز بثلاثمائة يورو، وهو مبلغ مجزئ ، فرفضه ؛ لأنه على مدار الأسبوع دون إجازة ، أهذا حقاً حال من يحتاج إلى المال..! كما أن علينا ديناً بحوالي 3600$ نريد تسديده ، بالإضافة إلى أنه لا يبقى من مجموع ما نحصل عليه نحن الاثنين شهرياً إلا ألف دولار، لأن الباقي يذهب في المصاريف والإيجارات. حتى هذا الذي يبقى أريد أن أدخره لأشتري بيتاً لأبنائي بدلاً من العيش في بيوت الإيجار هذه. أعلم أن القرآن يحث على طاعة الوالدين والإحسان إليهما .
لكن لا أعلم كيف يمكن تطبيق ذلك في ظرف والد زوجي..! فما رأيكم ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
لا شك أن طاعة الوالدين في غير معصية الله من أعظم أعمال البر ، وأجلّ أنواع القرب .
وهذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام .
وللوالد أن يأخذ من مال ولده ما شاء ولكن بشروط ، منها : ألا يكون في أخذه ضرر على الابن ، وأن لا يأخذ منه ليعطي لغيره .
ومن باب أولى ألا يأخذ من مال ولده ، ليسرف في النفقة ، أو يشتري ما لا حاجة له به ؛ فهذا أظهر في المنع ، بل يمنع الرجل منه لو كان ماله وكسبه ، فكيف بكسب ابنه .
وينظر جواب السؤال رقم (9594) .

ثانيا :
النفقة على الوالد إنما تجب له على ابنه إذا كان معسرا ، ولا يقدر على كسب يليق بمثله ؛ فإن لم يكن معسرا ، أو كان معسرا ولكنه يقدر على عمل يتناسب معه : لم يجب على ولده أن ينفق عليه ، في أظهر قولي أهل العلم .
جاء في "منح الجليل" (4/416) : " نَفَقَةُ الْوَالِدَيْنِ الْمُعْسِرَيْنِ بِنَفَقَتِهِمَا واجبة ، وَإِنْ كَانَ لَهُمَا خَادِمٌ وَدَارٌ لَا فَضْلَ فِيهِمَا , وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْأَبُ يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ ، وَهُوَ قَوْلُ الْبَاجِيَّ وَمَنْ وَافَقَهُ . وَقَالَ اللَّخْمِيُّ يُجْبَرُ عَلَى عَمَلِ صَنْعَتِهِ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ، وَعَلَيْهِ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ قِيَاسًا عَلَى الْوَلَدِ ؛ فَإِنَّهُ اُشْتُرِطَ فِي وُجُوبِ نَفَقَتِهِ عَلَى أَبِيهِ عَجْزُهُ عَنْ التَّكَسُّبِ بِصَنْعَةٍ لَا تُزْرِي بِهِ " انتهى بتصرف . وينظر: "حاشية الدسوقي" (2/523).

وقال في "كشاف القناع" (5/ 481-482) :
" وَيَتَلَخَّصُ لِوُجُوبِ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْقَرِيبِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ الْمُنْفَقُ عَلَيْهِمْ فُقَرَاءَ لَا مَالَ لَهُمْ وَلَا كَسْبَ يَسْتَغْنُونَ بِهِ عَنْ إنْفَاقِ غَيْرِهِمْ ، فَإِنْ كَان الْمُنْفَقُ عَلَيْهِمْ مُوسِرِينَ بِمَالٍ أَوْ كَسْبٍ يَكْفِيهِمْ فَلَا نَفَقَةَ لَهُمْ ؛ لِفَقْدِ شَرْطِهِ فَإِنْ لَمْ يَكْفِهِمْ ذَلِكَ وَجَبَ إكْمَالُهَا .
الثَّانِي : أَنْ تَكُونَ لِمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ مَا يُنْفَقُ عَلَيْهِمْ فَاضِلًا عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ وَقَنِّهِ .
الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ الْمُنْفِقُ وَارِثًا لِلْمُنْفَقِ عَلَيْهِ بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ " انتهى مختصرا .

ثالثا :
ليس للزوج أن يأخذ من مال زوجته ليعطي أباه أو أمه أو إخوته بغير رضاها .
ولا يحل للزوج من مال زوجته إلا ما تبذله له عن طيب نفس منها .
راجعي جواب السؤال رقم : (163541) .

والذي نراه أن الولد ينبغي أن يعطي والده شيئا من الصلة ، بحيث لا يضر ذلك بحاجتكم ، ولا يجحف بكم ، ويسعى هو وإخوته لتشجيع والدهم على العمل .
وبالإمكان أن تفصلي راتبك عن راتب زوجك ، فتدخري راتبك كاملا ، ويقوم زوجك بالنفقة عليك وعلى أولاده ، وتحمل أعباء المعيشة ، فهذا واجبه أصلا ، ثم إن بقي منه شيء ، وصل منه والده بقدر لا يضر بكم ولا يجحف بأبنائه ، ثم يضم ما يتبقى منه إلى ما عندك من المال ، وتضعونه في شراء المنزل ، أو تدخرونه لحاجتكم .

لكن مع الحذر التام من أن يؤدي ذلك الخيار إلى حساسية ، أو اضطراب في علاقتك بزوجك ، وأنت أقدر على تقدير الظرف من خلال معايشتك له .
فإن خفت شيئا من ذلك ، فكوني له على ما كنتما عليه ، واجتهدي في إرشاده إلى تدبير الصالح لكما ولأولادكما ، مع الحذر من قطيعة والده ، أو ترك صلته والإحسان إليه ، بشيء ينفعهم ، ولا يضركم .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (130599) .

والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب