الاثنين 17 جمادى الأولى 1446 - 18 نوفمبر 2024
العربية

لا حرج في عملية تكبير الثدي لمن تعاني من ضمور مرضي

185041

تاريخ النشر : 08-04-2013

المشاهدات : 86807

السؤال

سؤالي من شقين : الأول : أنا متزوجة منذ أحد عشر عاما ، ولدي ثلاثة أبناء ، يحدث لي بعد الولادة والرضاعة ضمور في الثدي ، وباستشارة ثلاث طبيبات نساء وولادة قلن بأن حالتي ليس لها حل سوى عملية تكبير الثدي ، فهل هي جائزة في حقي ، علما بأن هذا الوضع يسبب لي الحرج الشديد مع زوجي ، خاصة وأنه مبتلى بالنظر للنساء ، وهل علي إثم إن لم أقم بعمل هذه العملية ، أي أن من حق زوجي علي أن أعملها إرضاء له ، وإعانة على غض بصره . ثانيا : أنا حاليا أقوم بلبس حمالة صدر مبطنة بالإسفنج وأمام زوجي ألبس اثنتان فوق بعض لتكبير الحجم ، وجعل الشكل يبدو طبيعيا ومقبولا لدى زوجي ، فهل هذا الفعل يدخل في حديث المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور ، وما معنى الحديث ، وهل علي شيء إذا صليت وأنا بهذا الشكل أم أنزعهما قبل أن أصلي ، ثم هل يجوز لي الخروج هكذا أمام النساء من الأهل والأصدقاء ؟ وجزاكم الله خيرا

الجواب

الحمد لله.

أولا :
العيوب الخِلْقية الأصلية أو الطارئة بسبب تغيرات في الجسم من الأمور التي أجاز الفقهاء رحمهم الله إجراء عمليات التجميل لغرض إزالتها وإصلاحها ، خاصة إذا ترتب على ذلك أذى زائد ، أو نفرة من قرين أو نحو ذلك .
وقد أذن الشرع الحكيم لكل من أصابه عيب أن يتخذ من وسائل العلاج ما يرفع به عن نفسه ذلك التشوه أو الضرر ، ويصلح له شأنه من جديد .
وفي السنة النبوية عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ طَرَفَةَ ( أَنَّ جَدَّهُ عَرْفَجَةَ بْنَ أَسْعَدَ قُطِعَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ ، فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ (فضة) فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ ) رواه أبوداود (رقم/4232) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وقياس تكبير الثدي لمن تعاني ضمورا ظاهرا على حديث عرفجة هنا أقرب من قياسه على تحريم تفليج الأسنان الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم : ( وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ ، الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ تَعَالَى ) رواه البخاري (5931) ومسلم ( 2125 ). ذلك أن التفليج – وهو فرق ما بين الأسنان – ليس لإزالة عيب ولا لإصلاح تشوه ، وإنما هو إحداث أمر في الجسم طلبا لزيادة التجمل في نظر هذا الفاعل ، رغم أن الله عز وجل خلق الإنسان في أحسن تقويم ، وإذا ترك البشر لأهوائهم أحدثوا في أبدانهم ما لم يأذن به الله .
فتكبير ثدي المرأة التي فقدته بسبب بعض الأمراض الطارئة ، أو التي ولدت بهيئة صغيرة مخالفة للهيئة التي تخلق عليها النساء عادة ، يدخل في باب العلاج الحاجي ، وليس في باب التكلف بالتجمل بما فيه تغيير خلق الله .
ولهذا جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (25/15) السؤال الآتي :
" أفيد فضيلتكم بأني رجل متزوج من امرأة تعاني من ضمور شديد في الثديين ، وفي السنوات الماضية كان شكل الثديين يتحسن أثناء فترة الرضاعة نظرا لوجود اللبن ، ثم يعود بعد ذلك إلى ضموره المعتاد ، ولكن ازداد الأمر سوءا في السنة الأخيرة حين بلغ الضمور درجة تجعل الثدي كثدي الرجل ، أي لا تظهر منه إلا الحلمة الصغيرة ، قد عرضتها على أحد الأطباء في قطر ونصح بإجراء عملية جراحية باستخدام مادة ( السيلكون ) داخل الثدي حتى يمكن التحكم في زيادة حجمه ، والتقرير المترجم المرفق يثبت ذلك ، ومشكلتي الآن ذات شقين : الشق الأول : الحالة النفسية السيئة لزوجتي بسبب هذه المشكلة التي تجعلها تشعر بالنقص لحرمانها من جمال الصدر ، وعدم قدرتها على إمتاع الزوج . الشق الثاني : معاناتي الشديدة من عدم استمتاعي الكامل بزوجتي كسائر الأزواج ، مما يجعلني أشعر بالضيق والاكتئاب ، فهو أمر ليس بالهين ، وقد وصف الله تعالى نساء الجنة بقوله : ( وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا ) مما يدل على أهمية جمال الصدر للمرأة . والسؤال الآن : هل يجوز إجراء مثل تلك العملية لزوجتي للأسباب المتقدم ذكرها ، وإن كان جائزا ، فهل يستوي في ذلك العملية الجراحية للثديين والحقن بالإبر في الثدي نفسه ، علما بأن الطبيب لم يذكر لي إن كان لهذا العلاج آثار جانبية أم لا ؟
فكان الجواب ما يلي :
إن كان الواقع كما ذكر ، فيجوز إجراء عملية لمعالجة الثديين إذا لم يترتب على ذلك ضرر على جسم المرأة ؛ لأن ما ذكر هو من الأمراض التي يشرع علاجها ، كما دلت على ذلك النصوص الشرعية الكثيرة " انتهى .
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ، عبد الله بن غديان ، صالح الفوزان ، بكر أبو زيد .
وصدر عن لجنة الفتوى في " موقع الفقه الإسلامي " جواز عملية تكبير الثديين لمن في ثدييها صغر يبلغ حد العيب الخارج عن الخلق السوي ، يمكن مراجعته في موقع " الفقه الإسلامي " على الرابط الآتي :
http://www.islamfeqh.com/Kshaf/List/ViewDecisionDetails.aspx?DecisionID=1733
وجاء في قرارات ندوة " الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية " :
" الجراحات التي يكون الهدف منها علاج المرض الخِلقي ، والحادث بعد الولادة لإعادة شكل أو وظيفة العضو السوية المعهودة له جائزة شرعا ، ويرى الأكثرية أنه يعتبر في حكم هذا العلاج إصلاح عيب ، أو دمامة ، تسبب للشخص أذى عضويا أو نفسيا " انتهى نقلا عن " فقه النوازل " للجيزاني (4/227)
وفي كتاب " ثمرات التدوين من مسائل ابن عثيمين " (مسألة رقم/562) للشيخ أحمد القاضي :
" سألت شيخنا رحمه الله : ما حكم عمليات التجميل التي تجريها المرأة ؟
فأجاب :
إذا كان لإزالة عيب فلا بأس . ما لم يكن فيه ضرر . حيث إن عرفجة رضي الله عنه اتخذ أنفاً من ذهب لما قُطع أنفه . مثال : شدّ الثديين المتهدلين " انتهى .
وقد سبق في موقعنا بيان جواز تقويم الأسنان (69812)، وجواز عملية لإزالة نحافة الجفن وتدليه (148707)، وجواز إزالة السمنة الزائدة ولو بالجراحة (152130)، وجواز إزالة ترهل الثديين والوجه والبطن (152086)، وجواز استعمال البوتوكس لإزالة التجاعيد (170869)، وأيضا جواز تصغير الأرداف (97651)، وكلها فروع داخلة تحت القاعدة التي سبق تقريرها ، ويمكن قياس عملية تكبير الثدي عليها .
ثانيا :
أما إذا كان حجم الثدي طبيعيا ، ولا يصنف لدى الأطباء بأي نقص أو مرض ، وصغره صغر مقبول معتاد لدى النساء ، فهو الذي يمنع العلماء من إجراء العملية الجراحية التجميلية له تبعا لهوى صاحبته التي يتقلب مزاجها ، فتتقلب معها رغباتها في تغيير هيئتها ومظهرها ، وذلك باب عظيم من أبواب الفساد ، تعاني منه المجتمعات غير المسلمة ، وتنفق فيه مئات الملايين من الأموال ، وتبذل فيه الجهود العظيمة على الصعيدين الجراحي والنفسي ، أما شريعة الإسلام فقد قضت على ذلك بالتحريم ، وأوصت جميع أبنائها بالرضا بخلق الله السوي ، واليقين بأن الجمال جمال الروح والأخلاق .
ثالثا :
بهذا يتبين للسائلة الحكم الشرعي في حالتها ، لتنظر في أي القسمين السابقين تندرج ، وتلتزم بالحكم الشرعي المترتب عليها ، ولا تجعل رغبة الزوج هي الحكم في الحالة الثانية خاصة ، بل لا يحل للزوج نفسه مطالبة زوجته بتغيير خلقتها الطبيعية – التي لا تصنف ضمن العيوب -، ولا يجوز لها طاعته في ذلك ، ووقوعه في معصية النظر المحرم واعتياده عليها منكر يجب نصحه ووعظه في شأنه ، ولا يبرر للزوجة الوقوع في معصية أخرى تنازلا عند رغبته ، فالذي لا يحجبه الخوف من الله عن معصية النظر لن تغني عنه عملية زوجته ولا تزينها له ، فإن رغبت الزوجة بمداراته بلبس بعض الألبسة الخاصة للصدر فلا بأس عليها .

رابعا :
ولا حرج أيضا في الاستمرار في لبس حاملات الصدر الواسعة بين النساء أو الصلاة على تلك الحال ، ولا يدخل ذلك في حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ ) رواه البخاري (5219) ومسلم (2129) ؛ لأن التزين والتجمل مشروع للمرأة ، سواء لزوجها ، أو بين نسائها ، كما قال سبحانه : ( لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ) الأحزاب/55. وذلك من فطر النساء وعاداتهن ، ولا فرق بين أن يكون التزين باللباس أو الجسم ونحوه .
وأما حديث المتشبع ، فقال الإمام النووي رحمه الله :
" قال العلماء : معناه : المتكثر بما ليس عنده ، بأن يظهر أن عنده ما ليس عنده ، يتكثر بذلك عند الناس ، ويتزين بالباطل ، فهو مذموم ، كما يذم من لبس ( ثوبي زور ) " انتهى من " شرح مسلم " (14/110)
وقال ابن حجر رحمه الله :
" أراد بذلك تنفير المرأة عما ذكرت ـ يعني : من دعواها أن زوجها أعطاها ، ولم يعطها ، كما ورد في سبب الحديث ـ خوفا من الفساد بين زوجها وضرتها ، ويورث بينهما البغضاء ، فيصير كالسحر الذي يفرق بين المرء وزوجه " انتهى من " فتح الباري " (9/318)
ولما نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله أقوالا في تفسير الحديث توحي بتحريم كل لباس موهم يراد به التجمل والتزين ، استبعد ذلك القول ، ورجح التفسير الذي نقلناه سابقا . فقال رحمه الله :
" وقيل : إن بعضهم كان يجعل في الكم كما آخر يوهم أن الثوب ثوبان ، قاله ابن المنير . قلت – أي الحافظ ابن حجر - : ونحو ذلك ما في زماننا هذا فيما يعمل في الأطواق . والمعنى الأول أليق " انتهى من " فتح الباري " (9/318)
وينظر جواب السؤال رقم (143414) .
والخلاصة : أنه لا حرج على المرأة في عملية تكبير الثدي إذا كانت تعاني من ضمور مرضي ، ولتحرص على إجرائها لدى طبيبة أخصائية ماهرة ، كما لا حرج عليها في لبس ما تبدو به بين النساء بالمظهر الطبيعي ما لم تقصد الفتنة أو التدليس لأجل الخطاب .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب