الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

إذا حصل إيلاج بالجماع في نهار رمضان فسد الصوم بالإجماع ، أنزل أم لم ينزل .

السؤال

أنا فتاة حديثة العهد بالزواج ، بحثت في موقع الإسلام سؤال وجواب فوجدت أن الإيلاج دون نزول المني لا يفسد الصوم ، ولكن الحذر والحيطة واجبة أثناء المداعبة في رمضان ، ووجدت أيضا اختلافا في آراء العلماء عن نزول المني دون جماع في رمضان ، حصلت مداعبة بيني وبين زوجي في نهار رمضان فتمّ الإيلاج مع مراعاة عدم نزول المني من زوجي ، وبعد انتهاء الجماع قال : زوجي إنه يشك في شيء قليل جدا خرج منه بعد الجماع بفترة بسيطة جدا ، ولا يعرف أهو مني أم مذيّ فطلبت منه أن يضبط نفسه عن خروج أي مزيدٍ ففعل ذلك .
فما حكم ذلك ؟ ، وهل يلزم القضاء والكفارة ؟ ، علما بأن الزوج لم يكن يعرف بهذا النوع من الكفارة أبدا ، وأنه أمسك زمام أمره فلم يخرج شيء حال تنبيهي إياه مباشرة ، فكمية السائل قليلة جدا ، ويقول إنه لا يعرف أهي مذي أم مني لقلّتها .

الجواب

الحمد لله.

أولا :
قول السائلة إنها بحثت في الموقع فوجدت أن الإيلاج دون نزول المني لا يفسد الصوم قول غير صحيح ، وليس في موقعنا مثل هذا الكلام ، بل الموجود خلافه ؛ لأن الإيلاج جماع ، وهو مفسد للصوم موجب للكفارة بالإجماع .
جاء في جواب السؤال رقم : (148163) من موقعنا : " من جامع في نهار رمضان وهو صائم مقيم فعليه كفّارة مغلّظة ، وهي عتق رقبة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً . ويلزمه التوبة وقضاء اليوم .
والمرأة مثله إذا كانت راضية ، ولا فرق بين أن يُنزل أو لا ينزل ، فحيث حصل الجماع أي الإيلاج وجبت الكفارة " انتهى .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (35/ 55):
" لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ جَامَعَ فِي الْفَرْجِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَامِدًا بِغَيْرِ عُذْرٍ ، أَنْزَل أَمْ لَمْ يُنْزِل " انتهى .

ولعل السائلة قرأت الكلام عن أن المباشرة ، أو المداعبة ، بدون إنزال لا تفسد الصوم ؛ فظنت أن المراد من ذلك الجماع ؛ وهو ظن خطأ كما ذكرنا ؛ فالمقصود بالمباشرة أو الملاعبة : الاستمتاع بالزوجة ، من غير إيلاج في الفرج .
يراجع جواب السؤال رقم : (95383) .

ثانيا :
نزول المني ولو بدون جماع مبطل للصوم على الصحيح ، وعليه جماهير أهل العلم ، وحُكي إجماعا ، قال النووي رحمه الله :
" إذَا قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِذَكَرِهِ ، أَوْ لَمَسَ بَشَرَةَ امْرَأَةٍ بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا : فَإِنْ أَنْزَلَ الْمَنِيَّ بَطَلَ صَوْمُهُ وَإِلَّا فَلَا ، وَنَقَلَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى بُطْلَانِ صَوْمِ مَنْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ " انتهى من "المجموع شرح المهذب" (6/ 322) .
وقال ابن رشد رحمه الله :
كُلُّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ مَنْ قَبَّلَ فَأَمْنَى فَقَدْ أَفْطَرَ " انتهى من "بداية المجتهد" (2/ 52) .
وقال ابن قدامة رحمه الله :
" إذَا قَبَّلَ فَأَمْنَى ... يُفْطِرَ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ " انتهى من "المغني" (3/ 127) .

ثالثا :
ينبغي أخذ الحيطة والحذر أثناء المداعبة في نهار رمضان ، ومن خشي أن تغلبه نفسه فعليه بالكف عن ذلك ، استبراء لدينه وعرضه .
قال ابن عبد البر رحمه الله :
" لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَخَّصَ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ إِلَّا وَهُوَ يَشْتَرِطُ السَّلَامَةَ مِمَّا يَتَوَلَّدُ مِنْهَا ، وَأَنَّ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَتَوَلَّدُ عَلَيْهِ مِنْهَا مَا يُفْسِدُ صَوْمَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ اجْتِنَابُهَا " انتهى من "الاستذكار" (3/ 296).
يراجع جواب السؤال رقم : (107335) .

رابعا :
من جامع في نهار رمضان جاهلا بالتحريم فقد اختلف أهل العلم في ذلك ، ومذهب الحنابلة ، وهو اختيار اللجنة الدائمة للإفتاء ، أنه يلزمه القضاء والكفارة .

والقول الراجح أن من جهل أن ذلك الفعل محرم : معذور ، ولا شيء عليه .
قال في "حاشية الروض"(3/ 411) :
" ... وقال ابن عبد البر: الصحيح في الأكل والوطء إذا غُلب عليهما لا يفطرانه ، وكذا قال غير واحد من أهل العلم : الجماع كالأكل ، فيما مر فيه ، من الشك ، والإكراه ، والجهل " انتهى .

لكن ينبغي أن ينتبه هنا إلى الفرق بين من كان جاهلا بالحكم ؛ فهذا هو الذي يعذر ، على خلاف فيه كما سبق ، وبين من علم الحكم ، لكن جهل العقوبة ؛ فمن علم أن الجماع في نهار رمضان محرم ، لكنه لم يكن يعلم أن فيه كفارة ؛ فهذا لا يعذر بجهله ، وتلزمه الكفارة .

سئل الشيخ ابن عثيمين :
رجل جامع امرأته في نهار رمضان ، ولم ينزل وهو يجهل هذا الحكم وعقوبته، ويعلم أن الجماع بالإنزال حرام فما الحكم ؟
فأجاب :
" القول الراجح أن من فعل مُفطِّراً من المفطرات ، أو محظوراً من المحظورات في الإحرام ، أو مفسداً من المفسدات في الصلاة وهو جاهل فإنه لا شيء عليه ، فهذا الرجل الذي أتى أهله في نهار رمضان ، إذا كان جاهلاً بالحكم يظن أن الجماع المحرم هو ما كان فيه إنزال ، فإنه لا شيء عليه .
أما إذا كان يدري أن الجماع حرام ، ولكنه لم يعرف أن فيه الكفارة ، فإن عليه الكفارة ؛ لأن هناك فرقاً بين الجهل بالحكم ، وبين الجهل بالعقوبة ، فالجهل بالعقوبة لا يعذر به الإنسان ، والجهل بالحكم يعذر به الإنسان " انتهى من "اللقاء الشهري" (1/ 7) - بترقيم الشاملة .

وينظر جواب السؤال رقم : (107335) ، (20237) ، (22938) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب