الحمد لله.
من كان يسب الله تعالى أو كتابه أو أحدا من ملائكته أو رسله فهو كافر خارج عن ملة الإسلام ، لا تجوز الصلاة خلفه ؛ لإجماع الأمة على عدم جواز الصلاة خلف الكافر ، سواء كان كافرا أصليا أو مرتدا ، ومن صلى خلفه وهو عالم بحاله أعاد الصلاة .
قال الإمام الشافعي رحمه الله :
" الْكَافِرَ لَا يَكُونُ إمَامًا فِي حَالٍ ، وَالْمُؤْمِنُ يَكُونُ إمَامًا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا ، إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إلَّا طَاهِرًا .
وَهَكَذَا لَوْ كَانَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ ، فَارْتَدَّ ، ثُمَّ أَمَّ وَهُوَ مُرْتَدٌّ : لَمْ تَجْزِ مَنْ خَلْفَهُ صَلَاتُهُ حَتَّى يُظْهِرَ التَّوْبَةَ بِالْكَلَامِ قَبْلَ إمَامَتِهِمْ ، فَإِذَا أَظْهَرَ التَّوْبَةَ بِالْكَلَامِ قَبْلَ إمَامَتِهِمْ أَجْزَأَتْهُمْ صَلَاتُهُمْ مَعَهُ " .
انتهى من "الأم" (1/ 195) .
وقال الشيرازي في "المهذب" (1/183) :
" وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْكَافِرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أهل الصلاة ، فَإِنْ تَقَدَّمَ وَصَلَّى بِقَوْمٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إسْلَامًا مِنْهُ ، لِأَنَّهُ مِنْ فُرُوعِ الْإِيمَانِ فَلَا يَصِيرُ بِفِعْلِهِ مُسْلِمًا ، كَمَا لَوْ صَامَ رَمَضَانَ أَوْ زَكَّى الْمَالَ ، وَأَمَّا مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ : فَإِنْ عَلِمَ بِحَالِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ ، لِأَنَّهُ عَلَّقَ صَلَاتَهُ بِصَلَاةٍ بَاطِلَةٍ ... " انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله :
" الْكَافِرَ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ بِحَالٍ سَوَاءٌ عَلِمَ بِكُفْرِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ , أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ , وَعَلَى مَنْ صَلَّى وَرَاءَهُ الْإِعَادَةُ ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ , وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ , وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ , وَالْمُزَنِيُّ : لَا إعَادَةَ عَلَى مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ; لِأَنَّهُ ائْتَمَّ بِمَنْ لَا يُعْلَمُ حَالُهُ , فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ائْتَمَّ بِمُحْدِثٍ " انتهى من "المغني" (2/16) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" الكافرُ لا تصحُّ الصلاةُ خلفَه مطلقاً، سواءٌ كان كفرُه بالاعتقادِ، أو بالقولِ، أو بالفعلِ، أو بالتَّركِ.
فالاعتقادُ ، مثل: أن يعتقدَ أنَّ مع الله إلهاً آخر .
والقولُ ، مثل: أن يستهزئ باللهِ أو رسولِه، أو دينِه. فمَن كان يستهزئُ باللهِ أو رسولِه، أو دينِه فهو كافرٌ ولو كان يصلِّي ... ونحن نعلمُ أنَّه لا يمكن أنْ يُصلِّي مسلمٌ خلفَ كافرٍ، لكن لو فُرضَ أنَّ شخصاً صلَّى خلفَ رَجُلٍ ، ولم يعلَمْ أنه كافرٌ إلا بعدَ الصَّلاةِ فهل تلزمُه إعادةُ الصَّلاةِ أو لا ؟
الجواب : مِن العلماءِ مَن قال: إنه لا يعيدُ الصَّلاةَ ؛ لأنَّه معذورٌ.
ومِنهم مَن قال : بل يعيدُ الصَّلاةَ ، لأنَّ مِن شرطِ صحَّةِ الإِمامة أن يكونَ الإِمامُ مسلماً .
ولو قال قائلٌ : هل يمكن أن نُفَصِّلَ ونقول : إن كانت علامةُ الكفرِ عليه ظاهرةٌ لم تصحَّ ، ولم يُعذرْ بالجهلِ لوجود القرينةِ ، وإلا فلا ؟
فالجواب: يمكن ذلك ، فالقولُ الراجحُ في هذه المسألة : أنه إن كان جاهلاً فإن صلاتَه صحيحةٌ " انتهى من "الشرح الممتع" (4/ 220) .
وعليه : فصلاتك التي صليتها خلف هذا الإمام الفاجر غير صحيحة منه أولا لردته ، ولا منك ، لتعليق صلاتك بصلاة مرتد ، وعليك إعادة هذه الصلوات جميعا ، وتجتهد في تقديرها حتى يغلب على ظنك براءة ذمتك منها ؛ وهذا قول جماهير أهل العلم .
وقال ابن قدامة في "المغني" (1/439) :
" إذَا كَثُرَتْ الْفَوَائِتُ عَلَيْهِ يَتَشَاغَلُ بِالْقَضَاءِ ، مَا لَمْ يَلْحَقْهُ مَشَقَّةٌ فِي بَدَنِهِ أَوْ مَالِهِ ، أَمَّا فِي بَدَنِهِ فَأَنْ يَضْعُفَ أَوْ يَخَافَ الْمَرَضَ ، وَأَمَّا فِي الْمَالِ فَأَنْ يَنْقَطِعَ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ ، بِحَيْثُ يَنْقَطِعُ عَنْ مَعَاشِهِ ، أَوْ يُسْتَضَرُّ بِذَلِكَ ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى مَعْنَى هَذَا، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَ مَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ ، قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، فِي الرَّجُلِ يُضَيِّعُ الصَّلَاةَ : يُعِيدُ حَتَّى لَا يَشُكَّ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ بِمَا قَدْ ضَيَّعَ " انتهى .
ومثل هذا لا يشبه حاله حال المتلبس ببدعة مكفرة ، فإن هذا قد يعذر بنوع اجتهاد أو تأويل أو نحو ذلك ، وإذا كفر فليس كفره كفر هذا المتجرئ على الله جل جلاله بسبه ؛ فكيف إذا جمع السوأتين ، ووقع في الضلالتين ؛ فأنى لمثل هذا أن يصلي لرب العالمين ؛ فضلا عن أن يصير إماما ؟!!
راجع جواب السؤال رقم : (20885) ، (129407) .
والله تعالى أعلم .
تعليق