الحمد لله.
ليس هناك وسيلة صحيحة لإثبات شيء أو نفيه عن الأنبياء السابقين عليهم الصلاة والسلام إلا ما أثبته أو نفاه القرآن الكريم ، والسنة النبوية الصحيحة ، لأن ما عدا ذلك من الكتب السماوية التي نزلت على الأمم السابقة قد دخلها التحريف والتبديل والتلاعب ، فصارت لا يوثق بما فيها من معلومات ، فما ورد في القرآن الكريم فهو مقطوع بصحته ، وما لم يرد فيه ، فلا سبيل إلى إثباته أو نفيه ، بل نتوقف فيه ونقول : الله أعلم .
ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ ، وَقُولُوا : لا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الكِتَابِ وَلا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا رواه البخاري (4485) . وذلك فيما لم يرد في القرآن الكريم إثباته أو نفيه .
وإذا نظرنا إلى آيات القرآن الكريم المتعلقة بداود وسليمان عليهما السلام ، نجد أنها تدل دلالة ظاهرة على أن قومهما كانوا مؤمنين موحدين .
ففي قصة قتل داود للملك الكافر جالوت ، قال الله تعالى : ( قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) البقرة/249 .
وهذا يدل على أن الجيش الذي كان يقاتل معه داود عليه السلام كانوا مؤمنين بالله موحدين . وقال الله تعالى : (وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) سبأ/10-13 .
وذلك يدل على أن آل داود كانوا مؤمنين بالله ويعبدونه ويشكرونه ، والمراد بآل داود هنا : داود وأولاده وأهله . " تفسير السعدي " ص795 .
وقال تعالى : ( وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) النمل/17 .
فهؤلاء الجنود لا شك أنهم كانوا مطيعين لسليمان عليه السلام ، فلا بد أنهم كانوا مؤمنين بالله ، والآيات كلها تدل على ذلك .
قال تعالى عن سليمان عليه السلام بشأن بلقيس وقومها : ( قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) النمل/ 38 ، وهذا يدل على أن جنوده كانوا مسلمين ، لأنهم يساعدونه على إسلام بلقيس وقومها ، وقول الله تعالى : ( قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) النمل/39، 30 .
ظاهر جدا في أنهما كانا مؤمنين بالله تعالى ، فالأول وصف نفسه بالقوة والأمانة ورأس الأمانة خشية الله تعالى ، والثاني وصفه الله تعالى بأنه عنده علم من الكتاب ، وذلك يدل على إيمانه .
وقول الله تعالى عن سليمان : ( ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ) النمل/ 37 ، فهؤلاء جنوده يقاتلون في سبيل الله ، ويقاتلون القوم الكافرين ، فكيف لا يكونون مؤمنين ؟
وقوله تعالى عن بلقيس : ( قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) النمل/ 44 يدل دلالة قاطعة على أنها أسلمت لله وكانت مؤمنة به .
فكل هذه الآيات تدل دلالة واضحة على أن قوم داود وسليمان عليهما السلام كانوا مؤمنين موحدين فلا يلتفت إلى ما خالف ذلك .
والله أعلم .
تعليق