الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

حكم التصرف في المال المسروق ببيع ونحوه , وكيفية التوبة منه والخلاص من تبعته

200189

تاريخ النشر : 18-08-2013

المشاهدات : 35514

السؤال


لي دين على أحد الأشخاص الذين يعملون ببيع وشراء البضائع المسروقة يقدر بحوالي 40 ألف ليرة سورية ، ويرفض هذا الرجل تسديد دينه الذي عليه ، فقلت له : إنني لن أعيد له جهاز اللاب توب خاصته الذي عندي حتى يرد لي أموالي ، فقال : لا أريده . فهل يجوز لي بيع هذا الجهاز ، وأخذ أموالي من ثمنه ؟ مع العلم أن سعره أقل من الدين ، ومع العلم أيضا أن هذا الجهاز هو من جملة البضائع المسروقة ، ولا أعلم صاحبه ؛ لأنه من بلاد أخرى .

الجواب

الحمد لله.


فلا يجوز شراء البضائع المسروقة ، ولا المساعدة على بيعها أو تسويقها , ولا أخذها على سبيل الهبة ونحوها , وهي من المال المحرَّم لعينه ، والذي لا يحل لأحدٍ أن يتملكه ولو بطريق مشروعة كالشراء والهبة والميراث .
والواجب على من علم أن هذا الشيء الذي سيأخذه ببيع أو هبة شيء مسروق أن يُنكر على السارق ، ويأمره بالتوبة إلى الله تعالى من السرقة ، ويأمره أيضا برد البضاعة إلى أصحابها ، وأن يحاول هو بنفسه إرجاع البضاعة إلى أصحابها أو ورثتهم إن تمكن من ذلك وعلِم أعيانهم ، أو يخبرهم بمكان بضاعتهم المسروقة ، أو يخبر الجهات المسئولة عن ذلك .
ومن اشترى بضاعة وهو يعلم أنها مسروقة : أثِم ، ومن تمام توبته إرجاع البضاعة لأصحابها ، والرجوع بالثمن على من باعه إياها ؛ لأن الشراء من السارق فيه إعانة له على الإثم والعدوان ، وتشجيع له على المداومة على معصيته ، وفيه ترك لإنكار المنكر ، كما أن من شروط صحة البيع ملك البائع لما يبيعه ، فإن كان البائع سارقاً فهو غير مالك ، وهذا موجب لبطلان العقد , وقد سبق بيان هذه المسألة مفصلة وذكر كلام أهل العلم عليها في الفتوى رقم : (93031) .
ولا شك أن ما فعله هذا الشخص من أخذ مالك وإصراره على عدم رده جريمة تضاف إلى سجل جرائمه , وكبيرة تنضم إلى جملة موبقاته , والأصل أن من كان له على شخص مال ولم يقدر على استخلاصه منه بقضاء ونحوه فإنه يجوز له أن يأخذ هذا المال أو قدره إن قدر على ذلك وكانت العاقبة مأمونة , بحيث لا يترتب على فعله هذا ضرر أكبر كنسبته إلى السرقة ونحو ذلك , وهذه المسألة تعرف بمسألة الظفر , قال الفقيه محمد بن عبد الله الخرشي المالكي رحمه الله : " هذه المسألة تعرف بمسألة الظفر ، والمعنى أن الإنسان إذا كان له حق عند غيره ، وقدر على أخذه ، أو أخذ ما يساوي قدره من مال ذلك الغير ، فإنه يجوز له أخذ ذلك منه ، وسواء كان ذلك من جنس شيئه ، أو من غير جنسه ، على المشهور ، وسواء علم غريمه أو لم يعلم ، ولا يلزمه الرفع إلى الحاكم ، وجواز الأخذ مشروط بشرطين :
الأول : أن لا يكون حقه عقوبة , وإلا فلا بد من رفعه إلى الحاكم ، وكذلك الحدود ، لا يتولاها إلا الحاكم .
والثاني : أن يأمن الفتنة بسبب أخذ حقه ، كقتال ، أو إراقة دم ، وأن يأمن من الرذيلة ، أي أن ينسب إليها كالغصب ، ونحوه , فإن لم يأمن ذلك فلا يجوز له أخذه ." انتهى من " شرح مختصر خليل " (7/235) .
وقال العز بن عبد السلام رحمه الله :" إذا ظفر الإنسان بجنس حقه بمال مَن ظلمه فإنه يستقل بأخذه .... ولو كان بغير جنس حقه جاز له أخذه وبيعه ثم استيفاء حقه من ثمنه " انتهى من " قواعد الأحكام " (2/176) .
وعليه فقد كان يشرع لك – في الأصل - أن تستوفي أموالك من هذا الحاسوب لولا أنه مسروق , ولكن ما دام أنه كذلك فهو غير مملوك لهذا الرجل فلا يحل لك أخذه مقابل مالك , ولكن الواجب عليك أن تحاول جاهدا إرجاعه إلى صاحبه أو ورثته إن كان صاحبه قد مات , فإن لم تتمكن من ذلك فعليك أن تسلمه إلى السلطان إن كان في بلدك سلطان مسلم عادل أمين قائم بأمر الله سبحانه محتكم لشرعه , فإن لم يكن سلطان بهذا الوصف , وكان هناك جماعة من المسلمين العدول قد اجتمعوا للفصل بين الناس والنظر في أمورهم على وفق شرع الله فعليك أن تعطيه لهم وهم يتصرفون فيه على وفق الشرع الحنيف , وإنما كان الأمر كذلك لأن جماعة المسلمين العدول يقومون مقام السلطان في حال عدم وجوده أو في حال ظلمه وعدم قيامه بأمر الله سبحانه .
جاء في " مواهب الجليل في شرح مختصر خليل " (2 / 386) عند الحديث عن ثبوت شهر رمضان " ويتنزل منزلة القاضي جماعة المسلمين ينظرون كنظره " انتهى . وفيه أيضا (4 / 199) : " إذا تحرج الناس لعدم القضاة أو لكونهم غير عدول فجماعتهم كافية في الحكم في جميع ما وصفته ، وفي جميع الأشياء ، فيجتمع أهل الدين والفضل فيقومون مقام القاضي في ضرب الآجال والطلاق وغير ذلك ، قال البُرْزُلي قلت: تقدَّم أن الجماعة تقوم مقام القاضي مع فقده إلا في مسائل تقدم شيء منها" انتهى .
فإن لم يكن هناك سلطان مسلم عادل ولا جماعة من العدول المسلمين فبعه أنت وتصدق بثمنه - نيابة عن أصحابه - على فقير أو أكثر من فقراء المسلمين .
مع التنبيه على أنك إذا سلمته إلى سلطان فاجر أو كافر أو لمسلم غير عدل فإن ذمتك لا تبرأ بهذا الفعل وعليك ضمانه .
جاء في " المجموع شرح المهذب " (9 / 351) : " قال الغزالي إذا كان معه مال حرام وأراد التوبة والبراءة منه فإن كان له مالك معين وجب صرفه إليه أو إلى وكيله فإن كان ميتا وجب دفعه إلى وارثه , وإن كان لمالك لا يعرفه ويئس من معرفته فينبغي أن يصرفه في مصالح المسلمين العامة كالقناطر والربط والمساجد ومصالح طريق مكة ونحو ذلك مما يشترك المسلمون فيه , وإلا فيتصدق به على فقير أو فقراء وينبغي أن يتولى ذلك القاضي إن كان عفيفا , فإن لم يكن عفيفا لم يجز التسليم إليه فإن سلمه إليه صار المسلِّم ضامنا , بل ينبغي أن يحكم رجلا من أهل البلد ديِّنا عالما فان التحكم أولى من الانفراد , فإن عجز عن ذلك تولاه بنفسه فإن المقصود هو الصرف إلى هذه الجهة , وإذا دفعه إلى الفقير لا يكون حراما على الفقير بل يكون حلالا طيبا" انتهى.
والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب