الثلاثاء 18 جمادى الأولى 1446 - 19 نوفمبر 2024
العربية

حكم من شك في خروج الريح منه أثناء الصلاة

212088

تاريخ النشر : 30-03-2014

المشاهدات : 485420

السؤال

كنت أصلي العصر في جماعة ، وكنت أمسك نفسي عن خروج الريح مني عن طريق العضلات ؛ حتى لا ينفلت الريح مني . وبعد ثواني قليلة توقف ضغط الغاز عنى ، وذهبنا للسجود ، ثم شعرت بشيء ما عند فتحة الشرج ، ولكني غير متأكد هل كان ريح حقيقي ، فلم أسمع أو أشم شيئا ، لذا فقد تذكرت القاعدة التي تقول : بأن اليقين لا يزول بالشك ، وانتهينا من الصلاة . ولكني لا أعلم هل فعلت الصواب أم لا ؟؛ لأن الغاز ضغط عليَّ لثوان قليلة قبل الحدث . فهل علي إعادة الصلاة ؟ لماذا أشعر أنني أصلي بدون وضوء ، كل مرة أفكر في القاعدة في مدافعة الأخبثين ؟ هل يجوز لنا استخدام هذه القاعدة في الوساوس في كل شيء في الشريعة ، أم إنها خاصة بالطهارة والصلاة ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة مع مدافعة الحدث ، والانشغال بإمساكه عن الخروج .
فعن عائشة رضي الله عنها قالت : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لاَ صَلاَةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ ، وَلاَ وَهُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ ) رواه مسلم ( 560 ) .
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرحه لصحيح مسلم ( 5/ 46) :
” فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث كَرَاهَة الصَّلَاة بِحَضْرَةِ الطَّعَام الَّذِي يُرِيد أَكْله ، لِمَا فِيهِ مِنْ اِشْتِغَال الْقَلْب بِهِ ، وَذَهَاب كَمَالِ الْخُشُوع ، وَكَرَاهَتهَا مَعَ مُدَافَعَة الْأَخْبَثِينَ وَهُمَا : الْبَوْل وَالْغَائِط ” انتهى .

لكن هذه الكراهة خاصة بحالة الدخول إلى الصلاة وهو يدافع الأخبثين ، أما من دخل إلى الصلاة وهو لا يشعر بمدافعة الغائط أو البول وإنما شعر بذلك وهو في وسط الصلاة فلا كراهة
حينئذٍ إذا لم تمنعه من إتمام صلاته .

سُئِلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء : في بعض الأحيان يدافعني الغائط قبل الصلاة وأصلي ولكن لا يدافعني أثناء الصلاة فهل تقبل صلاتي‏؟‏ وفي بعض الأحيان يجري العكس فهل تقبل صلاتي‏؟‏
فأجابت اللّجنة :
” لا يجوز للمصلي أن يدخل في الصلاة وهو يدافع الغائط أو البول لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لا صلاة بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان‏)‏ أخرجه مسلم في صحيحه، والحكمة في ذلك والله أعلم أن ذلك يمنع الخشوع في الصلاة ، لكن لو صلى وهو كذلك فإن صلاته صحيحة لكنها ناقصة غير كاملة للحديث المذكور ولا إعادة عليه‏ ، وأما إذا دخلت في الصلاة وأنت غير مدافع للأخبثين وإنما حصلت المدافعة أثناء الصلاة فإن الصلاة صحيحة ولا كراهة إذا لم تمنعك هذه المدافعة من إتمام الصلاة‏ ” .
انتهى من ” فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ” ( 7 / 25 – 26 ) .
وينظر جواب السؤال رقم : (159503) .
ثانيا :
من شك في خروج الريح منه : لا ينتقِض وضوؤه بمجرد هذا الشك ، بل عليه الاستمرار في صلاته ، وصلاته في هذه الحالة صحيحة ، ولا إعادة عليه إلا إذا تيقن خروج الحدث منه .
روى البخاري ( 137 ) ، ومسلم ( 361 ) عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ ، وَعَن عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ : ” أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلاَةِ ، فَقَالَ: ( لاَ يَنْفَتِلُ- أَوْ لاَ يَنْصَرِفُ- حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا ، أَوْ يَجِدَ رِيحًا ) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ ، أَخَرَجَ مِنْهُ شيء أَمْ لاَ . فَلاَ يَخْرُجَنَّ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا ) رواه مسلم ( 362 ) .
وللفائدة طالعوا الفتوى رقم : (114793) .

لكن يجب التنبّه إلى أنّ المقصود بسماع الصوت ، وشم الرائحة : الإشارة إلى التيقّن من حصول الحدث وناقض الوضوء ، أيا كان ذلك الناقض .
قال الحافظ ابن حجر : ” ودل حديث الباب على صحة الصلاة ما لم يتيقن الحدث ، وليس المراد تخصيص هذين الأمرين – أي الشم والسماع – باليقين ” .
انتهى من ” فتح الباري بشرح صحيح البخاري ” ( 1/ 238 ) .

وفي ” فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ” ( 5 / 255 ) :
” سؤال : هل كل ما يطلع من الإنسان من رائحة مبطلة (أنا أعرف أنها مبطلة) ، لكن السؤال : متى تكون مبطلة ، أي هل هي مبطلة عند الصوت والشم والحس معا ، أم عند الصوت والشم ولا يدخل معها الإحساس ؟
أرجو أن تبينوا لي هذه المسألة وفقك الله تعالى ، لأن الأمر اختلط علي.
الجواب : الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه . . وبعد:
أن ما ذكرته من نواقض الوضوء : إذا تيقن على أنه خرج منه شيء ، بسماع صوت أو وجود رائحة ، أو غير ذلك مما يحصل به تيقن خروج الحدث ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الرجل يجد الشيء في الصلاة قال : لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا متفق على صحته ” انتهى .

ثالثا :
هذه القاعدة – اليقين لا يزول بالشك – هي قاعدة عامّة ، وليست خاصة بالطهارة والصلاة .
قال الإمام النووي – رحمه الله تعالى – :
” وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام ، وقاعدة عظيمة من قواعد الفقه ، وهي أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك ، ولا يضر الشك الطارئ عليها ، فمن ذلك مسألة الباب التي ورد فيها الحديث ، وهي أن من تيقن الطهارة وشك في الحدث حكم ببقائه على الطهارة ، ولا فرق بين حصول هذا الشك في نفس الصلاة ، وحصوله خارج الصلاة ؛ هذا مذهبنا ومذهب جماهير العلماء من السلف والخلف …
ومن مسائل القاعدة المذكورة : أن من شك في طلاق زوجته ، أو عتق عبده ، أو نجاسة الماء الطاهر ، أو طهارة النجس ، أو نجاسة الثوب أو الطعام أو غيره ، أو أنه صلى ثلاث ركعات أو أربعا ، أو أنه ركع وسجد أم لا ، أو أنه نوى الصوم أو الصلاة أو الوضوء أو الاعتكاف ، وهو في أثناء هذه العبادات ، وما أشبه هذه الأمثلة : فكل هذه الشكوك لا تأثير لها ، والأصل عدم هذا الحادث .
وقد استثنى العلماء مسائل من هذه القاعدة ، وهي معروفة في كتب الفقه لا يتسع هذا الكتاب لبسطها ، فإنها منتشرة ، وعليها اعتراضات ، ولها أجوبة ، ومنها مختلف فيه ” .
انتهى من ” شرح صحيح مسلم للنووي ” ( 4 / 49 – 50 ) .
وقال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله تعالى – :
” وهذه – أعني البناءَ على اليقين وطرحَ الشَّكِّ – : قاعدة مهمَّة ، دَلَّ عليها قولُ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: إِذا شَكَّ أحدكم في صلاته فليطرح الشَّكَّ وليَبْنِ على ما استيقن ، ولها فروع كثيرة جدًّا في الطلاق والعقود وغيرهما من أبواب الفقه ، فمتى أخذ بها الإنسان انحلَّت عنه إشكالات كثيرة ، وزال عنه كثير من الوَساوس والشُّكوك ، وهذا من بَرَكَةِ كلام النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم وحكمه.
وهو أيضاً من يُسْرِ الإِسلام وأنه لا يريد من المسلمين الوُقوعَ في القلق والحيرة ؛ بل يريد أن تكون أمورهم واضحة جليَّة ، ولو استسلم الإِنسان لمثل هذه الشُّكوك لتنغَّصت عليه حياته ؛ لأنَّ الشيطان لن يقف بهذه الوساوس والشكوك عند أمور الطَّهارة فقط ، بل يأتيه في أمور الصَّلاة والصِّيام وغيرهما ، بل في كلِّ أمور حياته ؛ حتى مع أهله ، فَقَطَعَ الشَّارع هذه الوساوس من أصلها ، وأمر بتركها ، بل ودفعها حتى لا يكون لها أَثَرٌ على النفس ” .
انتهى من ” الشرح الممتع على زاد المستقنع ” ( 1/ 312 ) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب