الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

الكذب مراعاةً لمشاعر الآخرين من الكذب المحرم

216341

تاريخ النشر : 17-11-2014

المشاهدات : 39139

السؤال


نعلم جميعاً الثلاث حالات التي يجوز فيها الكذب . والسؤال هو : هل الكذب من أجل تحاشي جرح مشاعر شخص ما يندرج تحت إحدى هذه الحالات ؟ فعلى سبيل المثال : لو أن أخي أراد أن يتحاشى اللقاء بشخص ما لأسباب متعددة ، لكن هذا الشخص أصر على لقائه أو زيارته في البيت ، فقال أخي : إنه مشغول ولا يمكن أن يقابله ( مع أنه غير مشغول في الحقيقة ) . وما قال ذلك إلا حرصاً منه على عدم جرح مشاعر ذلك الشخص ، فهل يعد هذا كذباً ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

الكذب كله مذموم ، وهو من صفات المنافقين ، فإنه يدعو إلى الفجور ، والفجور يدعو إلى النار ، إلا أنه إذا تعلقت به مصلحة راجحة جاز للمصلحة ، وربما وجب.

فكل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعاً : فالكذب فيه حرام .

وإن أمكن التوصل إليه بالكذب دون الصدق : فالكذب فيه مباح إن كان تحصيل ذلك القصد مباحاً ، وواجب إن كان واجباً .

ثانيا :

يغني عن الكذب استعمال المعاريض والتورية ، وهي : الكلام المحتمل لمعنيين ، معنى يفهمه السامع ، ومعنى آخر يريده المتكلم .

فإذا أمكن تحصيل المصلحة أو دفع المفسدة بالمعاريض تعيّن ذلك ، ولم يجز الكذب .

وإذا لم يمكن : فإن المعاريض والتورية مخرج شرعي مقبول ، عند الحاجة إليه :

جاء في "الموسوعة الفقهية" (34/ 211-212) :

" نُقِل عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ : أَنَّ فِي الْمَعَارِيضِ مَنْدُوحَةً عَنِ الْكَذِبِ ، قَال عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَمَا فِي الْمَعَارِيضِ مَا يَكْفِي الرَّجُل عَنِ الْكَذِبِ ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَغَيْرِهِ ، وَإِنَّمَا أَرَادُوا بِذَلِكَ إِذَا اضْطُرَّ الإْنْسَانُ إِلَى الْكَذِب ِ، فَأَمَّا إِذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ وَضَرُورَةٌ فَلاَ يَجُوزُ التَّعْرِيضُ وَلاَ التَّصْرِيحُ جَمِيعًا ، وَلَكِنَّ التَّعْرِيضَ أَهْوَنُ .

وكَانَ النَّخَعِيُّ لاَ يَقُول لاِبْنَتِهِ : أَشْتَرِي لَكِ سُكَّرًا ، بَل يَقُول : أَرَأَيْتِ لَوِ اشْتَرَيْتُ لَكِ سُكَّرًا ؟ فَإِنَّهُ رُبَّمَا لاَ يَتَّفِقُ لَهُ ذَلِكَ ، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ إِذَا طَلَبَهُ مَنْ يَكْرَهُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْهِ وَهُوَ فِي الدَّارِ قَال لِلْجَارِيَةِ : قَوْلِي لَهُ : اطْلُبْهُ فِي الْمَسْجِدِ ، وَلاَ تَقُولِ ي: لَيْسَ هُنَا كَيْ لاَ يَكُونَ كَذِبًا .

وَهَذَا كُلُّهُ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ ، فَأَمَّا فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْحَاجَةِ فَلاَ ؛ لأِنَّ هَذَا تَفْهِيمٌ لِلْكَذِبِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ اللَّفْظُ كَذِبًا ؛ فَهُوَ مَكْرُوهٌ عَلَى الْجُمْلَةِ ، كَمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ قَال : دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، فَخَرَجْتُ وَعَلَيَّ ثَوْبٌ ، فَجَعَل النَّاسُ يَقُولُونَ : هَذَا كَسَاكَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ؟ فَكُنْتُ أَقُول : جَزَى اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ خَيْرًا ، فَقَال لِي أَبِي : " يَا بُنَيَّ اتَّقِ الْكَذِبَ وَمَا أَشْبَهَهُ " فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ؛ لأِنَّ فِيهِ تَقْرِيرًا لَهُمْ عَلَى ظَنٍّ كَاذِبٍ ، لأِجْل غَرَضِ الْمُفَاخَرَةِ ، وَهَذَا غَرَضٌ بَاطِلٌ لاَ فَائِدَةَ فِيهِ .

وَتُبَاحُ الْمَعَارِيضُ لِغَرَضٍ خَفِيفٍ كَتَطْيِيبِ قَلْبِ الْغَيْرِ بِالْمُزَاحِ " . انتهى ملخصا .

راجع إجابة السؤال رقم : (27261) .

والحاصل : أن تطييب القلب ، وجبر الخاطر ، وإزالة الوحشة من النفوس : غرض صالح ، مشروع في الجملة ، إن احتاج المتكلم لأجله أن يستعمل شيئا من التورية والمعاريض : جاز له ، على أن يقصد بكلامه غرضا صريحا ، يحتمله الكلام ، حتى لا يقع في الكذب الصريح .

واعتذار الشخص بأنه مشغول : هو أمر مقبول في الجملة ، بشرط أن يقصد له شغلا خاصا به ، فكل إنسان لا ينفك من شغل في حياته ، ولو كان مشغولا براحته ونومه ، أو مصلحة أهله ، أو صلاة ، أو ذكر ، أو تلاوة قرآن ، أو نحو ذلك من أشغال الناس بأمر الدنيا أو الآخرة .

فعذر الشغل باب واسع ، يمكنه أن يدخل فيه ما يطرأ له من الأشغال ، أيا كان نوعها ، وهو أمر نافع لصاحبه عند الاعتذار عن مثل ذلك .

وقد سَأَلَ رَجُلٌ عَنْ الْمَرْوَزِيِّ وَهُوَ فِي دَارِ الإمام أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، فَكَرِهَ الْخُرُوجَ إلَيْهِ ، فَوَضَعَ أَحْمَدُ إصْبَعَهُ فِي كَفِّهِ ، فَقَالَ : لَيْسَ الْمَرْوَزِيِّ هَاهُنَا ، وَمَا يَصْنَعُ الْمَرْوَزِيِّ هَاهُنَا ؟ انتهى من "إعلام الموقعين" (3/ 151).

راجع للاستزادة إجابة السؤال رقم : (154955)، ورقم : (202259).

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب