الحمد لله.
أولاً :
" السيد" من أسماء الله الحسنى ، كما ثبت في السنة النبوية الصحيحة ، عن عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ قال: " انطلقتُ في وفدِ بني عامرٍ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، فقلنا: أنتَ سيّدُنا.
فقال: ( السَّيدُ الله )" .
رواه الإمام أحمد في "مسنده" (16307)، والبخاري في "الأدب المفرد" (211)، وأبو داود في "سننه" (4806) ، وقال ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (3/ 464): " إسناده جَيِّد" ، وقال الحافظ في "الفتح" (5/179): " رجاله ثقات وقد صحَّحه غير واحد" ، وصحَّحه صاحب "عون المعبود" (4/ 402)، وصحَّحه الشيخ الألبانيُّ في "صحيح الجامع" (3594).
قال الدكتور محمد خليفة التميمي " ورد ذكر هذا الاسم في جمع : ابن منده ، والحليميِّ ، والبيهقيِّ ، وابنِ حزم ، والأصبهانيِّ ، وابن العربىِّ ، والقُرطبيِّ ، وابن القيِّم ، والعثيمين ، والقحطانيِّ ، ونور الحسن خان " انتهى من "معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى" (ص: 155).
قال البيهقي : " وَمِنْهَا ( السَّيِّدُ) وَهَذَا اسْمٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ الْكِتَابُ ، وَلَكِنَّهُ مَاثُورٌ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". انتهى من "الأسماء والصفات" (1/ 67) .
وينظر: " التوحيد ومعرفة أسماء الله عز وجل " لابن منده (2/ 132) ، "المنهاج في شعب الأيمان" للحليمي (1/192) ، "أحكام القرآن" لابن العربي(2/343)، "القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى" لابن عثيمين (ص: 16)
قال ابن القيم: " وَأما وصف الرب تَعَالَى بِأَنَّهُ السَّيِّد ، فَذَلِك وصف
لرَبه على الْإِطْلَاق ، فَإِن سيد الْخلق هُوَ مَالك أَمرهم الَّذِي إِلَيْهِ
يرجعُونَ ، وبأمره يعلمُونَ ، وَعَن قَوْله يصدرون ، فَإِذا كَانَت الْمَلَائِكَة
وَالْإِنْس وَالْجِنّ خلقا لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وملكا لَهُ ، لَيْسَ
لَهُم غنى عَنهُ طرفَة عين ، وكل رغباتهم إِلَيْهِ ، وكل حوائجهم اليه : كَانَ هُوَ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى السَّيِّد على الْحَقِيقَة .
قَالَ عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس فِي تَفْسِير قَول الله (الصَّمد)
قَالَ: السَّيِّد الَّذِي كمل سؤدده " انتهى من "تحفة المودود " (ص: 126)
وقال: " فإن السيد إذا أطلق عليه تعالى فهو بمعنى : المالك ، والمولى ، والرب".
انتهى من "بدائع الفوائد" (3/1176).
وينظر جواب السؤال : (11388) ، (149820) .
ثانياً :
إذا ثبت أن السيد من أسماء الله ، فالدعاء به : جائز ، لا حرج فيه ، لقول الله
تعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا )الأعراف/ 180.
قال السعدي : " وهذا شامل لدعاء العبادة ، ودعاء المسألة ، فيدعى في كل مطلوب بما
يناسب ذلك المطلوب ، فيقول الداعي مثلا : اللّهم اغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور
الرحيم ، وتب عَلَيَّ يا تواب ، وارزقني يا رزاق ، والطف بي يا لطيف ، ونحو ذلك".
انتهى من "تفسير السعدي" (ص: 309) .
وقد كره بعض أهل العلم - كالإمام مالك - دعاء الله بقول : يا سيدي ، أو سيدي ، وذلك
– والله أعلم – لأن هذا الاسم لم يثبت عنده أنه من أسماء الله الحسنى .
ثالثا :
كره بعض أهل العلم الدعاء بـ"سيدي" ، كما نقل عن الإمام مالك وغيره .
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ: " وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ وَابْنُ أَبِي عِمْرَانَ
مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمَا أَنْ يَقُولَ الدَّاعِي: يَا
سَيِّدِي يَا سَيِّدِي ، وَقَالُوا: قُلْ كَمَا قَالَتْ الْأَنْبِيَاءُ: رَبِّ ،
رَبِّ".
انتهى من "مجموع الفتاوى" (1/ 207) ، وينظر "جامع العلوم والحكم" (1/292).
وسياق الرواية بتمامها عن الإمام مالك ذكره ابن رشد في "البيان والتحصيل" فقال:
" سئل هل كان أحد بالمدينة يكره أن يقول العبد لسيده: يا سيدي؟
فقال: لا، ولم يُكره ذلك، وقال الله تعالى: ( وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى
الْبَابِ) ، وقال تبارك وتعالى: (وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ
الصَّالِحِينَ) ، فلم يُكره ذلك.
قيل : يقولون إن السيد هو الله .
قال: فأين في كتاب الله أن الله هو السيد؟ هو الرب، قال: ( رَبِّ اغْفِرْ لِي
وَلِوَالِدَيَّ) ، وقال: ( وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)
.
قيل: أفتكره أن يدعو الرجل فيقول يا سيدي؟
فقال: غير ذلك أحب إليَّ ؛ أن يدعو بما في القرآن ، وما دعت به الأنبياء.
قيل: ذلك أحب إليك من أن يقول يا سيدي؟
فقال نعم، لا أحب أن يقول يا سيدي ، وغير ذلك أحب إلي".
انتهى من "البيان والتحصيل" (18/430).
قال ابن رشد : " وإنما كره مالك الدعاء بـ (يا سيدي ، ويا حنان) ، وبما أشبه ذلك من
الأسماء؛ لاختلاف أهل العلم في جواز تسميته بها ، إذ لم ترد في القرآن ، ولا في
السنن المتواترة ، ولا أجمعت الأمة على جواز تسميته بها" انتهى من "البيان
والتحصيل" (17/423).
قال الداودي عن الحديث الوارد في هذا الباب: " فيه أيضًا جواز الدعاء بـ (يا
سيدي) ، ومالك يكرهه وقال: يُدعى بما في القرآن ، ولعله لم يبلغه الحديث".
نقله عنه في "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" (29/102) .
تعليق