الحمد لله.
أولاً :
نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ ) رواه البخاري ( 5233 ) .
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَلاَ لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ ) رواه الترمذي ( 2165 ) ، وصححه الألباني في " صحيح سنن الترمذي " رقم ( 2165 ) .
وهذه الخلوة كثيرا ما تتحقق مع سائقي سيارات الأجرة ، فكثيراً ما يحتاج إلى السير في شوارع فرعية خالية من المارة ، أو في أماكن منعزلة كما في ضواحي المدن .
وحتى لو لم تتحقق صورة الخلوة ، بأن كان يسير في داخل المدينة في شوارع مزدحمة بالناس ، فوجوده مع المرأة بمفردهما داخل السيارة قد يكون مدعاةً للنظر المحرم ، فيكون وسيلة للوقوع في الحرام ، والشيء إذا أدى إلى حرام كان حراماً .
قال القرافي رحمه الله تعالى : " الوسائل تتبع المقاصد في أحكامها ، فوسيلة المحرم محرمة ، ووسيلة الواجب واجبة ، وكذلك بقية الأحكام " انتهى من " الفروق " ( 3/200 ) .
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى :
" لمّا كانت المقاصد لا يتوصّل إليها إلّا بأسباب وطرق تفضي إليها كانت طرقها وأسبابها تابعة لها معتبرة بها ، فوسائل المحرّمات والمعاصي في كراهتها والمنع منها بحسب إفضائها إلى غاياتها وارتباطاتها بها ... فإذا حرّم الرّب تعالى شيئا وله طرق ووسائل تفضي إليه فإنّه يحرّمها ويمنع منها ، تحقيقا لتحريمه ، وتثبيتا له ، ومنعا أن يقرب حِماه ، ولو أباح الوسائل والذّرائع المفضية إليه لكان ذلك نقضا للتّحريم ، وإغراء للنّفوس به ، وحكمته تعالى وعلمه تأبى ذلك كلّ الإباء " انتهى من " إعلام الموقعين " ( 4/553 ) .
وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " ( 17/57 ) :
" ليس المراد بالخلوة المحرمة شرعاً انفراد الرجل بامرأة أجنبية منه في بيت بعيداً عن أعين الناس فقط ، بل تشمل انفراده بها في مكان تناجيه ويناجيها ، وتدور بينهما الأحاديث ، ولو على مرأى من الناس دون سماع حديثهما ، سواء كان ذلك في فضاء أم سيارة أو سطح بيت أو نحو ذلك ؛ لأن الخلوة منعت لكونها بريد الزنا وذريعة إليه [ أي : مقدمة الزنا ووسيلة إليه ] ، فكل ما وجد فيه هذا المعنى فهو في حكم الخلوة الحسية بعيدا عن أعين الناس" انتهى .
ثانياً :
عليك أن تجتهد في الابتعاد عن هذا الحرام ، وتعتذر بأي طريقة تستطيعها .
فإن لم تستطع وشق عليك ذلك : فاجتهد أن تجعل خط سيرك داخل المدينة ، متى كان ذلك
أبعد عن مثل هذه الورطات ، وآمن من الوقوع في الحرام .
فإن تعذر ذلك ، أو تضرر معاشك بتغيير مكان عملك ، وخشيت أن يصيبك ضرر من رفضك إركاب
امرأة معك ، فنرجو ألا يكون عليك حرج في إركابها في سيارتك ، دفعاً للضرر عن نفسك ،
وقد قال الله تعالى : ( وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا
اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ) الأنعام/119.
ولكن عليك ألا تجلسها بجوارك ، بل يكون جلوسها في المقعد الخلفي ، كما هي عادة
الركاب ، وأن تجتنب النظر إليها ، أو الحديث معها إلا فيما لا بد منه .
وإذا كثرت هذه الحالات وتيسر لك عمل آخر لا محظور ولا محذور فيه ، فهو أفضل لك .
نسأل الله أن يرزقنا وإياك الرزق الحلال .
والله أعلم .
تعليق