الحمد لله.
روى البخاري (6169)، ومسلم (2640) عن عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ.
وروى البخاري (3688)، ومسلم (2639) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟، قَالَ: وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟
قَالَ: لاَ شَيْءَ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ.
قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ، فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ!!
قَالَ أَنَسٌ: "فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ".
فهذا الحديث ورد في المحبة الإيمانية الشرعية، التي أمر الله بها عباده، وندبهم إليها، وهي من عرى الإيمان، بل من أوثق عرى الإيمان وعلاماته: أن يحب الرجل أخاه، لا يحبه لدنيا ولا مال ولا جاه؛ إنما يحبه لله جل جلاله.
قال ابن حجر رحمه الله:
" قَوْلُهُ: إِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ أَيْ: مُلْحَقٌ بِهِمْ حَتَّى تَكُونَ مِنْ زُمْرَتِهِمْ". انتهى من " فتح الباري" (10/ 555).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"هَذَا الْحَدِيثُ حَقٌّ؛ فَإِنَّ كَوْنَ الْمُحِبِّ مَعَ الْمَحْبُوبِ أَمْرٌ فِطْرِيٌّ لَا يَكُونُ غَيْرَ ذَلِكَ " انتهى من " مجموع الفتاوى" (10/ 752).
وأما هذا الذي ذكرته: فإنما هي محبة فسوق وعصيان، وعمل من أعمال الشيطان، وحبل من حبالاته، يوقع به من أطاعه منهم، فيخشى على أمثال هؤلاء أن يجتمعوا معا، في سوء المآل، والعياذ بالله. قال تعالى:احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ الصافات/ 22-23.
قال عُمَرَ رضي لله عنه: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ قَالَ: " أَشْبَاهَهُمْ، قَالَ: يَجِيءُ صَاحِبُ الرِّبَا مَعَ أَصْحَابِ الرِّبَا، وَصَاحِبُ الزِّنَا مَعَ أَصْحَابِ الزِّنَا، وَصَاحِبُ الْخَمْرِ مَعَ أَصْحَابِ الْخَمْرِ ". انتهى من " تفسير ابن كثير" (7/ 9)، وينظر: "تفسير السعدي" (ص 701).
وقَالَ تَعَالَى: وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ التكوير/ 7.
قال ابن القيم رحمه الله:
" أَيْ: قَرَنَ كُلَّ صَاحِبِ عَمَلٍ بِشَكْلِهِ وَنَظِيرِهِ، فَقَرَنَ بَيْنَ الْمُتَحَابَّيْنِ فِي اللَّهِ فِي الْجَنَّةِ، وَقَرَنَ بَيْنَ الْمُتَحَابَّيْنِ فِي طَاعَةِ الشَّيْطَانِ فِي الْجَحِيمِ، فَالْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ، شَاءَ أَوْ أَبَى" انتهى من "زاد المعاد" (4/ 248).
ولا شك أن محبة النساء الأجانب والتعلق بهن محبة في معصية الله، وضرر ذلك على المرء في خلقه ودينه معلوم.
والتعلق بالنساء لا يصيب قلبا ملأه حب الله تعالى، إنما يصيب قلبا فارغا ضعيفا مستسلما فيتمكن منه، فإذا قوي واشتد فقد يغلب على حب الله ويخرج بصاحبه إلى الشرك.
فالقلب إذا فرغ من محبة الرحمن عز وجل وذكره، والتنعم بمناجاته وكلامه سبحانه، امتلأ بمحبة النساء، والتعلق بالصور، وسماع الغناء.
والله تعالى أعلم.
تعليق