الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

تفسير قوله تعالى : (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ) .

224618

تاريخ النشر : 18-01-2015

المشاهدات : 149489

السؤال

ما تفسير "ولذكر الله أكبر" في قوله تعالى (واتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون..) هل تعني أن الذكر أفضل من الصلاة ؟ أليست الصلاة أعظم ذكر؟ فلماذا يفرِّق الله بينهما ؟

الجواب

الحمد لله.

يقول الله عز وجل في كتابه العزيز :
( اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) العنكبوت/ 45 .
وللعلماء في قوله تعالى (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ) أقوال :
قال ابن الجوزي رحمه الله :
" قوله تعالى: (ولذكر الله أكبر) فيه أربعة أقوال:
أحدها: ولذكر الله إياكم ، أكبر من ذكركم إياه ، وبه قال ابن عباس، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهد في آخرين .
والثاني : ولذكر الله تعالى أفضل من كل شيء سواه ، وهذا مذهب أبي الدرداء، وسلمان ، وقتادة .
والثالث : ولذكر الله تعالى في الصلاة ، أكبر مما نهاك عنه من الفحشاء والمنكر، قاله عبد الله بن عون .
والرابع : ولذكر الله تعالى العبد- ما كان في صلاته- أكبر من ذكر العبد لله تعالى، قاله ابن قتيبة " انتهى من "زاد المسير" (3/ 409) .

واختار غير واحد من المحققين والمفسرين القول الثالث ، وهو أن حصول ذكر الله بالصلاة ، أكبر من كونها ناهية عن الفحشاء والمنكر .
قال ابن كثير رحمه الله :
" يَعْنِي: أَنَّ الصَّلَاةَ تَشْتَمِلُ عَلَى شَيْئَيْنِ : عَلَى تَرْكِ الْفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَرَاتِ ، أَيْ: إِنَّ مُوَاظَبَتَهَا تَحْمِلُ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ .
وَتَشْتَمِلُ الصَّلَاةُ أَيْضًا عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ الْأَكْبَرُ ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) أَيْ: أَعْظَمُ مِنَ الْأَوَّلِ " .
انتهى مختصرا من "تفسير ابن كثير" (6/ 280-282) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِيهَا دَفْعٌ لِلْمَكْرُوهِ وَهُوَ الْفَحْشَاءُ وَالْمُنْكَرُ، وَفِيهَا تَحْصِيلُ الْمَحْبُوبِ وَهُوَ ذِكْرُ اللَّهِ ، وَحُصُولُ هَذَا الْمَحْبُوبِ أَكْبَرُ مِنْ دَفْعِ الْمَكْرُوهِ ، فَإِنَّ ذِكْرَ اللَّهِ عِبَادَةٌ لِلَّهِ ، وَعِبَادَةُ الْقَلْبِ لِلَّهِ مَقْصُودَةٌ لِذَاتِهَا، وَأَمَّا انْدِفَاعُ الشَّرِّ عَنْهُ فَهُوَ مَقْصُودٌ لِغَيْرِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (10/188) .
وقال أيضا :
" قَوْلُهُ: (إنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) بَيَانٌ لِمَا تَتَضَمَّنُهُ مِنْ دَفْعِ الْمَفَاسِدِ وَالْمَضَارِّ ، وَقَوْلُهُ: ( وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) بَيَانٌ لِمَا فِيهَا مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَالْمَصْلَحَةِ ، أَيْ ذِكْرُ اللَّهِ الَّذِي فِيهَا ، أَكْبَرُ مِنْ كَوْنِهَا نَاهِيَةً عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ لِنَفْسِهِ كَمَا قَالَ: ( إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) وَالْأَوَّلُ تَابِعٌ ، فَهَذِهِ الْمَنْفَعَةُ وَالْمَصْلَحَةُ أَعْظَمُ مِنْ دَفْعِ تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (20/ 192-193) .

ولا تدل الآية على أن الذكر المجرد أفضل من الصلاة وأكبر ، فإنها بذاتها وما فيها من ذكر الله مِن أكبر الذكر وأعظمه .
قال شيخ الإسلام :
" ذِكْرُ اللَّهِ الَّذِي فِي الصَّلَاةِ أَكْبَرُ مِنْ كَوْنِهَا تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ؛ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ خَارِجَ الصَّلَاةِ ، أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ وَمَا فِيهَا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ؛ فَإِنَّ هَذَا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (32/ 232) .

فعلم بذلك أن الله تعالى لم يفرق بين الذكر وبين الصلاة ، كيف والصلاة من أجل ذكر الله ؟ قال تعالى : (فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) طه/ 14 .
قال السعدي رحمه الله:
" قوله: (لِذِكْرِي) اللام للتعليل أي: أقم الصلاة لأجل ذكرك إياي، لأن ذكره تعالى أجل المقاصد ، وهو عبودية القلب ، وبه سعادته ، فشرع الله للعباد أنواع العبادات، التي المقصود منها إقامة ذكره ، وخصوصا الصلاة " .
انتهى من "تفسير السعدي" (ص 503) .
وانظر جواب السؤال رقم : (150187) .
والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب