الحمد لله.
أولاً :
"الصليب من شعائر الكفر الظاهرة" كما ذكر ابن القيم رحمه الله في "أحكام أهل الذمة" (3/1240) ، ولذلك لا يختلف العلماء في تحريم لبسه .
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (12/88) : " لاَ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَصْنَعَ صَلِيبًا ، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْمُرَ بِصِنَاعَتِهِ ، وَالْمُرَادُ صِنَاعَةُ مَا يُرْمَزُ بِهِ إِلَى التَّصْلِيبِ ، وَلَيْسَ لَهُ اتِّخَاذُه ، وَسَوَاءٌ عَلَّقَهُ ، أَوْ نَصَبَهُ ، أَوْ لَمْ يُعَلِّقْهُ وَلَمْ يَنْصِبْهُ " انتهى .
وقد صرح كثير من العلماء بكفر من يفعل ذلك .
جاء في "الفتاوى الهندية" أحد كتب المذهب الحنفي (2/ 276) : " يَكْفُرُ بِوَضْعِ قَلَنْسُوَةِ [طاقية] الْمَجُوسِ على رَأْسِهِ على الصَّحِيحِ ، إلَّا لِضَرُورَةِ دَفْعِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ ، وَبِشَدِّ الزُّنَّارِ في وَسْطِهِ [حزام كان يلبسه غير المسلمين قديما] إلَّا إذَا فَعَلَ ذلك خَدِيعَةً في الْحَرْبِ ، وَطَلِيعَةً لِلْمُسْلِمِينَ" انتهى .
وقال في "مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر" وهو من كتب الأحناف أيضا (1/ 698) : "وَيَكْفُرُ بِوَضْعِ قَلَنْسُوَةِ الْمَجُوسِ عَلَى رَأْسِهِ عَلَى الصَّحِيحِ ، إلَّا لِتَخْلِيصِ الْأَسِيرِ أَوْ لِضَرُورَةِ دَفْعِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ عِنْدَ الْبَعْضِ" انتهى .
وقال القاضي عياض: " -
وَكَذَلِكَ نُكَفِّرُ بِكُلِّ فِعْلٍ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ لَا يَصْدُرُ
إِلَّا مِنْ كَافِرٍ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ مُصَرِّحًا بِالْإِسْلَامِ مَعَ
فِعْلِهِ ذَلِكَ الْفِعْلَ ..
كَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ ، وَلِلشَّمْسِ، وَالْقَمَرِ، وَالصَّلِيبِ، وَالنَّارِ،
وَالسَّعْيِ إِلَى الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ مَعَ أَهْلِهَا، وَالتَّزَيِّي
بِزِيِّهِمْ من شد الزنانير وفحص الرؤوس .
فَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ هَذَا لَا يُوجَدُ إِلَّا مِنْ كَافِرٍ
وَأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ عَلَامَةٌ عَلَى الْكُفْرِ، وَإِنْ صَرَّحَ فَاعِلُهَا
بِالْإِسْلَامِ" انتهى من "الشفا بتعريف حقوق المصطفى " - محذوف الأسانيد (2/ 611)
.
وسئل علماء "اللجنة الدائمة
للإفتاء "عن حكم لبس الصليب فأجابوا :
"إذا بُيِّن له حكم لبس الصليب وأنه شعار النصارى ، ودليل على أن لابسه راض
بانتسابه إليهم ، والرضا بما هم عليه وأصر على ذلك ، حكم بكفره لقوله عز وجل:
(وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي
الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة، آية 51] ، والظلم إذا أطلق يراد به الشرك
الأكبر، وفيه إظهار لموافقة النصارى على ما زعموه من قتل عيسى عليه السلام، والله
سبحانه قد نفى ذلك في كتابه فقال: (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن
شُبِّهَ لَهُمْ) [النساء،آية 157] ".
انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/119) .
وقال الشيخ عبد الرحمن
البراك حفظه الله تعالى : " الصليب معروف أنه صنم النصارى في كنائسهم ، وفي بيوتهم
، ويعلقونه في أعناقهم وعلى صدورهم ، فهو شعار النصارى ، وحرام على المسلم أن
يعلَّقه .
وإذا علَّقه المسلم ليظهر أنه نصراني فهذا إظهار لموافقة النصارى على دينهم،
وموافقة النصارى على دينهم كفر بالله، إلا من كان يخشى على نفسه، فهو مُكرَه، والله
تعالى يقول: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ
وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالأِيمَانِ) .
وأما من علَّقه جاهلاً به فهو معذور لجهله.
وأما من علَّقه مجاملة فذلك حرام عليه يُخشى عليه من الكفر بالله ... والواجب على
المسلم أن يحذر مما حرم الله عليه ، ولا يخفى أنه من أعظم أنواع التشبه بالكفار،
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) رواه أبو داود (4031) ،
فالواجب الحذر، ونسأل الله السلامة والعافية، والله أعلم". انتهى .
http://ar.islamway.net/fatwa/8605
وبناء على هذا ، فإذا كان
هذا المسلم المشار إليه في السؤال مضطرا لهذا الفعل ، بحيث يخشى على نفسه من القتل
أو السجن إن لم يفعل ذلك : فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى ، ما دام يفعل ذلك مضطرا
مع اطمئنان قلبه بالإيمان .
وإن لم يبلغ حال الضرورة والإكراه : لم يحل له ذلك .
وينبغي أن يفرق بين حال
المضطر إلى الخروج من بلده ، وحال المضطر إلى لبس الصليب ، فقد يضطر إلى الخروج من
بلده ، فرارا من القتل أو السجن ، لكن لبس الصليب ، ليس في محل الاضطرار ، ولو لم
يلبسه : لم يجر عليه شيء من القتل ، أو السجن ، أو نحو ذلك .
فهذا مقام ينبغي التحرز فيه ، ومعرفة حال الضرورة التي يرخص فيها للعبد بمثل ذلك ،
وحال غير الضرورة .
ومع أنه لو صبر ، ولم يظهر شعار الكفر ، أو لم ينطق به ، فهو أولى ، حتى ولو خاف
على نفسه .
فإظهار شعار الكفر ، عند الضرورة التي تبيح مثل ذلك : رخصة ، لا يلزم الأخذ بها ،
بل العزيمة خير منها .
وأما الفرار بالدين والنفس ، خوفا من الفتنة أو القتل ، فهو أمر مشروع ، مندوب أو
واجب ، بحسب الحال .
والله أعلم .
تعليق