الحمد لله.
روى ابن ماجة (174) عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( يَنْشَأُ نَشْءٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ ) قَالَ ابْنُ عُمَرَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ ) أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ مَرَّةً ( حَتَّى يَخْرُجَ فِي عِرَاضِهِمُ الدَّجَّالُ ) وصححه البوصيري في "الزوائد" (1/ 26) ، وحسنه الألباني في "صحيح ابن ماجة" .
ورواه أحمد (5562) من وجه آخر عن ابن عمر قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( يَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ يُسِيئُونَ الْأَعْمَالَ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ ، يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ عَمَلَهُ مِنْ عَمَلِهِمْ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ، فَإِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ، ثُمَّ إِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ، ثُمَّ إِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ، فَطُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ، وَطُوبَى لِمَنْ قَتَلُوهُ، كُلَّمَا طَلَعَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قَطَعَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ )، فَرَدَّدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ مَرَّةً ، أَوْ أَكْثَرَ ، وَأَنَا أَسْمَعُ .
قال السندي رحمه الله :
" قَوْلُهُ (يَنْشَأُ نَشْءٌ) فِي الْقَامُوسِ: النَّاشِئُ : الْغُلَامُ
وَالْجَارِيَةُ جَاوَزَ حَدَّ الصِّغَرِ .
قَوْلُهُ (كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ) أَيْ ظَهَرَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ ، (قُطِعَ) :
اسْتَحَقَّ أَنْ يُقْطَعَ ، وَكَثِيرًا مَا يُقْطَعُ أَيْضًا ، كَالْحَرُورِيَّةِ :
قَطَعَهُمْ عَلِيٌّ .
(فِي عِرَاضِهِمْ) فِي خِدَاعِهِمْ ، أَيْ أَنَّ آخِرَهُمْ يُقَابِلُهُمْ
وَيُنَاظِرُهُمْ . وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (أَعْرَاضِهِمْ) وَهُوَ جَمْعُ عَرْضٍ ،
بِمَعْنَى الْجَيْشِ الْعَظِيمِ، وَهُوَ مُسْتَعَارٌ مِنَ الْعرْضِ بِمَعْنَى
نَاحِيَةِ الْجَبَلِ، أَوْ بِمَعْنَى السَّحَابِ الَّذِي يَسُدُّ الْأُفُقَ،
وَهَذِهِ النُّسْخَةُ أَظْهَرُ مَعْنًى " انتهى .
وروى أحمد (6952) والحاكم (8558) عن عَبْد اللهِ بْن عَمْرٍو قال :
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: (
يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ
تَرَاقِيَهُمْ، كُلَّمَا قُطِعَ قَرْنٌ نَشَأَ قَرْنٌ ، حَتَّى يَخْرُجَ فِي
بَقِيَّتِهِمُ الدَّجَّالُ ) وصححه الشيخ أحمد شاكر .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" قَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ لَا
يَزَالُونَ يَخْرُجُونَ إلَى زَمَنِ الدَّجَّالِ. وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ
عَلَى أَنَّ الْخَوَارِجَ لَيْسُوا مُخْتَصِّينَ بِذَلِكَ الْعَسْكَرِ [يعني :
الذين قاتلوا عليا رضي الله عنه] " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (28/ 495-496)
فأفاد الحديث : أن الخوارج فرقة من فرق الأمة ، وأنها سيستمر وجودها إلى آخر الزمان
، غير أنها تظهر فترة بعد فترة ، وكلما ظهرت طائفة منهم قُطعت ، وانتهى أمرها ، ثم
تظهر طائفة أخرى .... وهكذا ، حتى يخرج الدجال في آخرهم .
وقد وردت في الخوارج نصوص كثيرة ، وآثار عن السلف ، تتحدث عن صفاتهم ، وجملة ذلك :
أنهم أحداث الأسنان (صغار السن) ، سفهاء الأحلام ، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم
[أي : لا يفهمونه ولا يصل إلى قلوبهم] ، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية،
ثم لا يعودون فيه.
يقتلون أهل الإيمان ، ويدعون أهل الأوثان، ويطعنون على أمرائهم، ويشهدون عليهم
بالضلال , يدعون إلى كتاب الله، وليسوا منه في شيء، ولا يرون لأهل العلم والفضل
مكانة ، ويظنون أنهم أعلم منهم بالله ورسوله وكتابه ، ويتشددون في العبادة ،
ويجتهدون فيها أشد الاجتهاد ، ولكن مع جهل وقلة فقه ، يكفرون كل من ارتكب كبيرة من
المسلمين .
فهذه صفاتهم كما جاءت في الأحاديث ، وذكرها العلماء .
ولا يجوز لأحد أن يتهم أحدا بأنه من الخوارج لمجرد أنه خالفه في الرأي ، أو لمجرد
أنه رأى منه بعض التشدد ، فليس كل متشدد من الخوارج ، وقد تقدم في الفتوى رقم (182237)
التعريف بفرقة الخوارج فلتنظر .
والله أعلم .
تعليق