السبت 27 جمادى الآخرة 1446 - 28 ديسمبر 2024
العربية

حكم قول القائل : " الله يعرف حدود قدرته " .

224963

تاريخ النشر : 27-01-2015

المشاهدات : 11664

السؤال


أنا مريض بالوسواس القهري , وكانت تأتيني وساوس كثيرة في الدين ، والحمد لله كنت أعرض عنها ، ولا أتكلم بها ، وأريد تفسير مسألة لم تغادر بالي ، لأنني قلتها عندما كنت أتحدث مع شخص، ولم أقدر أن أقولها الآن ؛ لأنني أحس بأن فيها شيئا ، وهي : الله يعرف حدود قدرته .

ملخص الجواب

والحاصل : أنه لا يصح أن يقال : " الله يعرف حدود قدرته " ؛ لأن قدرة الله لا حد لها ، اللهم إلا أن يكون مراده : أن الله يعرف حقيقة صفته ، وعظمتها على ما هي عليه ، فهذا معنى صحيح ، وإن كانت العبارة موهمة معنى باطلا . وانظر للفائدة جواب السؤال رقم : (10244)، (201651) . ولمعرفة علاج الوسواس القهري انظر جواب السؤال رقم : (90819) . والله تعالى أعلم .

الجواب

الحمد لله.


أولا :
إن الله سبحانه وتعالى بكل شيء عليم ، وعلى كل شيء قدير ، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، له سبحانه مطلق القدرة ، وكمال الإرادة ، (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) البقرة / 117.
قال تعالى :
( إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) البقرة/ 20 ، وقال عز وجل : ( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) البقرة/ 106 .
قال القرطبي رحمه الله :
" فالله عز وجل قَادِرٌ مُقْتَدِرٌ قَدِيرٌ عَلَى كُلِّ مُمْكِنٍ يَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ " .
انتهى من "تفسير القرطبي" (1/ 224) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" قَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَالنَّاسُ فِي هَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ : " طَائِفَةٌ " تَقُولُ هَذَا عَامٌّ يَدْخُلُ فِيهِ الْمُمْتَنِعُ لِذَاتِهِ ، مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ ، وَكَذَلِكَ يَدْخُلُ فِي الْمَقْدُورِ كَمَا قَالَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ حَزْمٍ. وَ" طَائِفَةٌ " تَقُولُ: هَذَا عَامٌّ مَخْصُوصٌ يَخُصُّ مِنْهُ الْمُمْتَنِعَ لِذَاتِهِ ؛ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْمَقْدُورِ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَغَيْرُهُ ، وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ خَطَأٌ. وَالصَّوَابُ هُوَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ الَّذِي عَلَيْهِ عَامَّةُ النُّظَّارِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُمْتَنِعَ لِذَاتِهِ لَيْسَ شَيْئًا أَلْبَتَّةَ ، فَلَمْ يَدْخُلْ فِي قَوْلِهِ: (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) " انتهى ملخصا من "مجموع الفتاوى" (8/ 8-9) .
وليس لقدرة الله تعالى حد تقف عنده ، فله سبحانه القدرة المطلقة ، قال الراغب الأصفهاني رحمه الله :
" محال أن يوصف غير الله بالقدرة المطلقة معنى وإن أطلق عليه لفظا، بل حقّه أن يقال: قَادِرٌ على كذا، ومتى قيل: هو قادر، فعلى سبيل معنى التّقييد، ولهذا لا أحد غير الله يوصف بالقدرة من وجه ، إلّا ويصحّ أن يوصف بالعجز من وجه، والله تعالى هو الذي ينتفي عنه العجز من كلّ وجه. والقَدِيرُ:
هو الفاعل لما يشاء على قَدْرِ ما تقتضي الحكمة ، لا زائدا عليه ولا ناقصا عنه، ولذلك لا يصحّ أن يوصف به إلا الله تعالى، قال: (إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) " انتهى من "المفردات" (ص 657-658) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" إثبات القدرة المطلقة لله ، تتضمن أنه خالق كل شيء بقدرته " .
انتهى من "شرح العقيدة الأصفهانية" (ص 14) .

ثانيا :
أسماء الله تعالى وصفاته توقيفية ، لا مجال فيها لرأي ولا اجتهاد ، وقد وصف الله نفسه بالعلم ، فنصفه بالعلم ، ولا حرج أن نخبر عنه بالدراية ، أو بالمعرفة كما في السؤال ، لكن لا يوصف الله تعالى بأنه : داري ، أو عارف ؛ فإن باب الإخبار أوسع ، والأمر فيه أسهل من باب الوصف والتسمية .

وقد روى أحمد (21438) عَنْ أَبِي ذَرٍّ : " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى شَاتَيْنِ تَنْتَطِحَانِ، فَقَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ هَلْ تَدْرِي فِيمَ تَنْتَطِحَانِ؟ ) ، قَالَ: لَا ، قَالَ: "( لَكِنَّ اللهَ يَدْرِي، وَسَيَقْضِي بَيْنَهُمَا ) ، وحسنه محققو المسند .
وروى ابن أبي شيبة (19356) عَنْ مُدْرِكِ بْنِ عَوْفٍ الْأَحْمَسِيِّ ، قَالَ: " كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ إِذْ جَاءَهُ رَسُولُ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ فَسَأَلَهُ عُمَرُ عَنِ النَّاسِ فَقَالَ: أُصِيبَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ آخَرُونَ لَا أَعْرِفُهُمْ فَقَالَ عُمَرُ: لَكِنَّ اللَّهَ يَعْرِفُهُمْ " .
وصححه الألباني في "الصحيحة" (6/ 788) .
قال الشيخ صالح آل الشيخ :
" ودراية الله جل وعلا بـ ( فيم ينتطح الكبشان أو العنزان ) يعني : علمه سبحانه وتعالى بذلك .
ومعلوم أن باب الإخبار أوسع من باب الوصف ، فإن لفظ أو صفة ( الدراية ) لا يوصف الله جل وعلا بها، لكن يطلق على الله جل وعلا من جهة الإخبار أنه سبحانه وتعالى يدري بهذا الشيء ، لأنها من فروع العلم .
فهناك صفات لها جنس ، فالعلم جنس تحته صفات ، فجنس ما هو ثابت ، يجوز إطلاقه على الله جل وعلا من جهة الخبر " .
انتهى من "كتب صالح آل الشيخ" (36 /7) .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب