الحمد لله.
أولا :
ينبغي أن يكون اهتمام المسلم وعنايته بما ينفعه في الدنيا والآخرة ، فيكون اهتمامه بمعرفة ماذا أراد الله منه في هذه اللحظة التي يعيشها الآن ليقوم بذلك ، ولا يكون شغله الشاغل أشياء قد لا ينتفع بها .
ولمزيد الفائدة حول ما ينبغي للمسلم أن يهتم به يراجع السؤال رقم : (218912) .
وحاصل ذلك كله : أن على
المسلم أن يكون اهتمامه بما يزحزحه عن النار ويدخله الجنة ، قال الله تعالى : (
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ
وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ) آل عمران / 185 .
وعلى هذا ينبغي أن يكون قلقه ، لا أن يقلق على ما سيكون له في الجنة ، وإنما همه
الأول : كيف له أن يزحزح عن النار ، ويدخل الجنة ؟!
ففي سورة الأنبياء بعد أن ذكر الله تعالى جملة من الأنبياء قال : ( إِنَّهُمْ
كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا
لَنَا خَاشِعِينَ ) الأنبياء/90.
أي : رغبا فيما عند الله من الخير ، ورهبا مما عند الله من العذاب في الدنيا
والآخرة ، وأعظم الخير دخول الجنة ، وأعظم العذاب عذاب النار .
وقال الله تعالى : ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ
هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ، وَالَّذِينَ
يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ، وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا
اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ، إِنَّهَا
سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) الفرقان / 63 - 66 .
وقال تعالى : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ
قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ
فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ
أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا
مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا
فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ
الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا
يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ) آل عمران/190-194.
ولما سأل الرسول صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه عما يدعو به في صلاته فقال : (
أَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ النَّارِ
، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ) رواه أبو داود (972) ،
وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
والمقصود : أن دعاءنا في النهاية يرجع إلى مقصود واحد وإن اختلفت ألفاظه .
فهكذا كان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، كان يدور حول دخول الجنة
والنجاة من النار ، فإنه متى أدرك ذلك : فقد قرت عينه ، ونعم نعيما لا شقاء فيه
بوجه ، ولا تنغيص فيه بوجه ، ولا هم ، ولا نصب ، ولا حزن ، ولا أذى ... ؛ فبهذا ،
فليكن شغله ، وإلا فلا !!
ولم يكن من دعاء الصالحين قبلنا : الاشتغال بتفصيل النعيم الذي ينتظرهم في الجنة ، أو بتفصيل العذاب الذي يسألون الله أن ينجيهم منه ، بل كانوا يعتبرون التشقيق والتفصيل في ذلك نوعا من الاعتداء في الدعاء ، ولذلك لما سمع سعد بن معاذ رضي الله عنه ابنه يدعو قائلا : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَنَعِيمَهَا وَبَهْجَتَهَا ، وَكَذَا وَكَذَا ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَسَلاَسِلِهَا وَأَغْلاَلِهَا ، وَكَذَا وَكَذَا ، فَقَالَ : يَا بُنَيَّ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( سَيَكُونُ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاء ) فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ ، إِنْ أُعْطِيتَ الْجَنَّةَ أُعْطِيتَهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الْخَيْرِ ، وَإِنْ أُعِذْتَ مِنَ النَّارِ أُعِذْتَ مِنْهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الشَّرِّ . رواه أبو داود ( 1480 ) ، وصححه الألباني " صحيح سنن أبي داود " ( 1480 ) .
فيكفي المسلم أن يسأل الله
الجنة ويستعيذ به من النار ، ثم إذا دخل الجنة فله فيها ما يرضيه وزيادة من النعيم
.
روى مسلم (181) عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ يَقُولُ
اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ :
أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا ، أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ ، وَتُنَجِّنَا مِنْ
النَّارِ ، قَالَ : فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ
إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ) .
يعني أن أهل الجنة متى بلغوا منتهى ما يعلمون من النعيم ، تفضل الله عليهم ،
فأعطاهم أعلى نعيم الجنة ، وهو رؤيته سبحانه وتعالى والنظر إلى وجهه الكريم ، نسأل
الله تعالى أن نكون من أهلها .
ثانيا :
أما سؤالك : ( وهل يمكن أن تظل الفتاة بلا زوج في الجنة إن لم تكن تجد في الزواج
متعة ؟ )
فيقال فيه ما سبق : أن المسلم ينبغي أن ينشغل بدخول الجنة والنجاة من النار ، فإذا
دخل الجنة فله فيها من أنواع النعيم ما يرضيه وزيادة .
وقد روى مسلم ( 2834 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : ( وَمَا فِي الْجَنَّةِ أَعْزَبُ ) .
فالزواج من أنواع النعيم الذي سيتنعم به جميع أهل الجنة .
وقد لا تجد المرأة رغبة في الزواج في الدنيا ؛ فهذا شعور في الدنيا ، ولا تقاس
مشاعر أهل الجنة بمشاعر أهل الدنيا .
والله أعلم .
تعليق