الحمد لله.
أولا :
لا يموت أحد إلا بأجله الذي كتبه الله له في اللوح المحفوظ ، سواء مات مقتولاً ، أو حرقاً ، أو غرقاً ، أو مات على فراشه .
قال الله تعالى : ( فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ) الأعراف/ 34 ، والنحل/ 61 ، وقال تعالى : ( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا ) آل عمْران/ 145 .
فالمقتول مات بأجله ، والمحروق مات بأجله ، والغريق مات بأجله ، ولا يموت أحد أيَّ مِيتة كانت إلا بأجله .
ينظر السؤال رقم : (110439) ، والسؤال رقم : (136164) .
والقول بأن الإنسان لو لم يمت بالقتل أو المرض ، لطال عمره : هو قول المعتزلة ، وهي إحدي الفرق الضالة التي خالفت أهل السنة والجماعة في عدة أصول من أصول الاعتقاد .
قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله :
" الْمَقْتُولُ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ، فَعَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدَّرَ وَقَضَى أَنَّ هَذَا يَمُوتُ بِسَبَبِ الْمَرَضِ، وَهَذَا بِسَبَبِ الْقَتْلِ ، وَهَذَا بِسَبَبِ الْهَدْمِ ، وَهَذَا بِسَبَبِ الْحَرْقِ ، وَهَذَا بِالْغَرَقِ ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ . وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ، وَخَلَقَ سَبَبَ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ .
وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ : الْمَقْتُولُ مَقْطُوعٌ عَلَيْهِ أَجَلُهُ ، وَلَوْ لَمْ يُقْتَلْ لَعَاشَ إِلَى أَجَلِهِ فَكَأَنَّ لَهُ أَجَلَينِ .
وَهَذَا بَاطِلٌ ، لِأَنَّهُ لَا يَلِيقُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ جَعَلَ لَهُ أَجَلًا ، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إِلَيْهِ الْبَتَّةَ ، أَوْ يَجْعَلُ أَجَلَهُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ ، كَفِعْلِ الْجَاهِلِ بِالْعَوَاقِبِ " انتهى من
" شرح الطحاوية " ( ص 100 )
وانظر السؤال رقم : (153438) .
ثانيا :
روى البخاري (652) ، ومسلم (1914) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الشُّهَدَاءُ
خَمْسَةٌ : المَطْعُونُ ، وَالمَبْطُونُ ، وَالغَرِيقُ ، وَصَاحِبُ الهَدْمِ ،
وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) .
وقد روى ابن ماجة (2803) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عد من مات بالحرق شهيداً
.
صححه الألباني في " صحيح ابن ماجه "
.
والحكمة من جعل هؤلاء شهداء
: أن موتتهم كانت شديدة ، فكَفِّرت عنهم ذنوبهم ، ورفعت درجاتهم حتى ألحقتهم بدرجة
الشهداء .
قال النووي رحمه الله :
" قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَوْتَاتُ شَهَادَةً
بِتَفَضُّلِ اللَّهِ تَعَالَى بِسَبَبِ شِدَّتِهَا ، وَكَثْرَةِ أَلَمِهَا " انتهى
من" شرح النووي على مسلم " (13/ 63) .
وقَالَ ابن التِّينِ رحمه الله :
" هَذِهِ كُلُّهَا مِيتَاتٌ فِيهَا شِدَّةٌ، تَفَضَّلَ اللَّهُ عَلَى أُمَّةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ جَعَلَهَا تَمْحِيصًا
لِذُنُوبِهِمْ ، وَزِيَادَةً فِي أُجُورِهِمْ، يُبَلِّغُهُمْ بِهَا مَرَاتِبَ
الشُّهَدَاءِ " انتهى من " فتح الباري " (6/ 44) .
انظر السؤال رقم : (150012) .
ثالثاً :
معنى أن هؤلاء شهداء : أن لهم ثواب الشهيد عند الله تعالى في الآخرة ، أما في أحكام
الدنيا فلا تشملهم أحكام الشهيد ، ولذلك فإنهم يُغسَّلون ويُكفنون ويُصلى عليهم ،
كما فعل الصحابة رضي الله عنهم بعمر بن الخطاب رضي الله عنه ، مع كونه قتل شهيداً ،
ولكنه رضي الله عنه شهيد في أحكام الآخرة والثواب ، وليس في أحكام الدنيا ، لأنه لم
يقتل في ساحة القتال في سبيل الله .
قال النووي رحمه الله :
" اعْلَمْ أَنَّ الشَّهِيدَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : الْمَقْتُولُ فِي
حرب الكفار بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْقِتَالِ ، فَهَذَا لَهُ حُكْمُ الشُّهَدَاءِ
فِي ثَوَابِ الْآخِرَةِ ، وَفِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا
يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ .
وَالثَّانِي : شَهِيدٌ فِي الثَّوَابِ دُونَ أَحْكَامِ الدُّنْيَا ، وَهُوَ
الْمَبْطُونُ وَالْمَطْعُونُ وَصَاحِبُ الْهَدْمِ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ
وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِتَسْمِيَتِهِ شَهِيدًا
، فَهَذَا يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَهُ فِي الْآخِرَةِ ثَوَابُ
الشُّهَدَاءِ ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ ثَوَابِ الْأَوَّلِ .
وَالثَّالِثُ : مَنْ غَلَّ في الغنيمة ، وشبهه ممن وَرَدَتِ الْآثَارُ بِنَفْيِ
تَسْمِيَتِهِ شَهِيدًا ، إِذَا قُتِلَ فِي حَرْبِ الْكُفَّارِ = فَهَذَا لَهُ
حُكْمُ الشُّهَدَاءِ فِي الدُّنْيَا، فَلَا يُغَسَّلُ ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ ،
وَلَيْسَ لَهُ ثَوَابُهُمُ الْكَامِلُ فِي الْآخِرَةِ " انتهى من" شرح النووي على
مسلم " (2/ 164) .
والله أعلم .
تعليق