الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

شكوك تراوده حول حديث القرآن عن ظاهرة الغروب والشهب

226382

تاريخ النشر : 10-07-2015

المشاهدات : 15119

السؤال


قرأت مؤخراً أنّ هناك آيات تقول : بأن الشمس تغرب في عين حمئة ، وأنّ الشهب يرسلها الله لضرب الجن ، كما أنّ هناك بعض النصارى الذين يدَّعون أنّ المسلمين على ضلال ، وقد خدعهم الشيطان . ولتفنيد الشبه أستمع عادة لمحاضرات الدكتور زاكر نايك ، ولكنني أجد في بعض الأحيان أنّ ليس كل ما يقوله بصحيح . ثم قرأت أنّ القرآن قد كتبه الصحابة على الورق والحجر . وكل ذلك يلقي بالشك في قلبي ، وفي كل مرة تساورني الشكوك قبل النوم أنطق بالشهادتين ثم أنام . فهل وقعت في الكفر من حيث لا أعلم ، فأنا أخشى عذاب النار ، وأسأل الله دائماً أن يغفر لي ذنوبي ، ويهديني سواء السبيل . لذا أرجو منكم مساعدتي للتخلص من هذه الشبهات التي وردت علي بسبب هذه الآيات ، وما ذكرت من طريقة حفظ القرآن .

ملخص الجواب

والخلاصة : أن غروب الشمس في عين حمئة الوارد في القرآن الكريم معناه أنها هكذا تبدو للناظر، وليس إخبارا من القرآن الكريم عن حقيقة ظاهرة الغروب . وأن رجم الشياطين بالشهب لا يتعارض مع العلم الحديث ، ولا يستطيع أحد – مهما بلغ من العلم – أن يثبت عكس هذا . وعلوم الفضاء الحديثة لا تدعي الوقوف على الباعث والمسبب الأول الذي تنطلق بسببه الشهب. وفي جميع الأحوال فاعتمال بعض الشبهات في قلبك لا يعني الوقوع في الكفر والردة لا قدر الله، بشرط أن تستمر في مدافعتها ومجاهدتها ، وأن تبادر بصرف النظر عنها ، وسؤال العلماء عن الجواب عليها ، وأن تبتعد عن مواطن إثارتها ، وتشغل قلبك وفكرك وعقلك : بما ينفعك في أمر دينك . والله أعلم .

الجواب

الحمد لله.


لا تفتأ النفس الأمارة تُسَول لصاحبها الضلال بعد الهدى ، وتقرب إليه الكفر بعد الإيمان ، حتى تستنزف ما فيه من طمأنينة ويقين .
إياك - أخانا السائل - أن تنطلي عليك حيل المحتالين ، الذين لا يسعون إلى التلبيس عليك فحسب ، بل أول ما يسعون إليه هو إشغال قلبك بمثل هذه الشبهات ، وإيرادها تباعا عليك ، الواحدة بعد الأخرى ، حتى لو كانت شبها ساقطة كاذبة ، المهم أن يكاثروها في قلبك ، لتغرك كثرتها ، ويؤثر فيك تواردها ، فتكون حيلتهم قد نجحت لا قدر الله .
ولو تأملت معنا أي حقيقة ناصعة ، وما يمكننا إيراده على هذه الحقيقة ولو اعتباطا ، لأدركت سر ما نقول . حتى الشمس في رابعة النهار ، لو كنت تراها بأم عينيك ، وأحد الملبِّسين يجلس بجانبك ، ويسألك مشككا برؤيتك للشمس : لعلك في حلم ولست في يقظة ! ولعل نظرك يغرك كما أنه يغرك حين ترى السراب في الصحراء !! وما الذي يجعلك تؤمن يقينا بحاسة النظر عندك!! كم مرة أخطأ نظرك في نقل الحقيقة إليك !! ألا ترى ألعاب الخفة والخدع السحرية كيف تؤكد لك عدم الثقة بحواسك بحال من الأحوال !! ألا يحتمل أن يكون هذا التوهج الذي تراه أشعة منعكسة وأنوارا متلألئة مصدرها غير الشمس المعروفة !! إلى آخر مثل هذه الأسئلة التشكيكية .
ثم تخيل معنا أن مثل هذه الأسئلة ترد عليك يوميا ، وأصحابها ينوِّعون أساليبهم في عرضها ، ويستفرغون وسعهم في تعداد وجوهها وقوتها . فأي تأثير تظنه ستحدثه في قلبك ونفسك !!
والآية الكريمة التي ذكرتها ، وهي قوله تعالى : ( حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ) الكهف/86 ، ليس فيها أي إشكال ولا ما هو مثار للتشكيك ، ولكن الخطأ في فهم الآية سببه الجهل باللغة العربية وأساليبها وبلاغتها التي تتيح لك وصف غروب الشمس بما يبدو للناظر ، حتى لو وقف على شاطئ البحر وشهد غروب الشمس ، وصفه العربي بأن قرص الشمس سقط في الماء ؛ وهو يعلم أن الشمس أكبر من أن يحويها البحر ، وأنها ستعاود الرجوع في اليوم التالي ، ولكنه وصفها بأنها غربت " في الماء " لأن هذا ما يبدو للعين البسيطة ، وليس لأن هذه الحقيقة ، وهو ما وقع لذي القرنين ، ولهذا وصف القرآن الكريم ذلك بقوله ( وجدها )، أي هكذا وجدها ذو القرنين ، وعلى هذا الشكل بدت له في ظاهر الأمر ، وليس هو تقرير من القرآن الكريم لمشهد الغروب . بل هو وصف لما خطر في ذهن ذي القرنين عندما رأى المشهد . وهذا ما بينه المفسرون قبل مئات السنين ، وقبل صعود الإنسان للقمر وتصويره الأرض بجميع ما فيها .
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :
" أي : رأى الشمس في منظره تغرب في البحر المحيط ، وهذا شأن كل من انتهى إلى ساحله ، يراها كأنها تغرب فيه " انتهى من " تفسير القرآن العظيم " (5/191) .
وهو تعبير دقيق أيضا من الحافظ ابن كثير رحمه الله – وهو من أشهر المفسرين في القرن الثامن الهجري – حيث يقول : " يراها كأنها تغرب في البحر ". فانظر كيف استعمل كلمة ( كأنها ) الأمر الذي يدلك على الدقة البالغة للغة العربية ، وللقرآن الكريم .
ولهذا فحقيقة غروب الشمس بوصفها ظاهرة فلكية ، مختلفة بصورة كلية عن هذا الذي ظهر للعين المجردة أمر معلوم مستقر في القرآن الكريم في آيات عديدة ظاهرة ، كما قال تعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّار) الزمر/5. فتأمل معنا كلمة ( يكور ) التي تعني الكروية والاستدارة ، لتدرك حقيقة التطابق التام بين حقائق الكون وحقائق القرآن الكريم .
وأما حركة الشهب في السماء ، فليس ثمة عالم على وجه الأرض يدعي أنه يعلم السبب الذي يتحرك به كل شهاب منها ، أو يعلم الباعث الأول الذي أدى إلى انطلاقها ، وإنما نحن نملك تفسير هذه الظاهرة ببعض الأسباب الكونية المشاهدة أو المختبرة ، وفي بعض أحوالها .
أما أن ندعي أننا نملك التفسير المطلق الوحيد لكل شهاب انطلق في الماضي أو سينطلق في المستقبل ، ونعتقد أن حركة الشهب ناتجة عن هذا التفسير فحسب ، فهذا لا سبيل إليه ، ونحن نعلم أن الكون والمجرات وعالم الفضاء أوسع من أن نحيط بجزئه ، فكيف بعالمه الفسيح .
قال تعالى : ( وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ . وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ . إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ ) الحجر/16-18.
وقال عز وجل : ( إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ . وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ . لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ . دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ . إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ) الصافات/6-10.
وهذه النصوص ليس فيها ما يدل على أن كل شهاب ظهر في السماء فإنما رُمي به شيطان ، فقد يكون هناك أسباب أخرى لظهور الشهب لم يتعرض لها القرآن الكريم .
ثم إن الإيمان – أخانا السائل – يقوم على ركن عظيم من الإيمان بالغيب ، أي ما وراء الطبيعة ، فنحن نشاهد كل ما في الكون من أسباب ، وفي الوقت نفسه نقول: إن ثمة مسببا أعظم وهو الله.
ونرى الأمطار والأرزاق تقسم بين الناس بالأسباب الطبيعية المشاهدة ، وفي الوقت نفسه نؤمن بالملائكة التي تسوق هذه الأقدار .
ونعيش أيامنا وليالينا ونواجه ما فيهما من أحداث جسام ، ونلمس أسباب تلك الأحداث ونقف على ظروفها ، وفي الوقت نفسه نقول : إنها قضاء الله وقدره .
ولا يشكل علينا هذا الإيمان بالغيب بشيء ، ولا نستشعر أن ثمة تناقضا بين " الأسباب الطبيعية " في هذا الكون ، وبين " الأسباب الغيبية ". وهو ما تميزنا به نحن المسلمين ، أننا جمعنا بين العلم والدين ، وبين الدنيا والآخرة ، وبين الطبيعة والغيب .
فأي ضير بعد ذلك أن نؤمن بأن الله تعالى يرسل الشهب على الشياطين التي تسترق السمع ، وتريد أن تستمع إلى ما تقوله الملائكة في السماء .
ولماذا ننسى أن أركان الإيمان الستة كلها تقوم على فكرة " الغيب "، وهي الفكرة نفسها التي يشاركنا فيها اليهود والنصارى أيضا - على تفاوت ظاهر في بعض الأركان -، فالنصراني الذي يطعن في القرآن بسبب تفسيره لبعض ظواهر الشهب ، فالأولى بالطعن عندئذ عقيدته كلها التي تسلم بالإله الخالق مسببا ومكونا لجميع ما في هذا الكون !!
ونحن دائما نذكِّر الناس بأن العقل البشري الذي يعجز عن تفسير ظاهرة الموت ، التي يشاهدها في كل حين ، ويقف على أسبابها في كل وقت ، ويعاني منها عبر تاريخ الإنسانية كلها، ومع ذلك يقف أسيرا أمامها ، مقهورا لوقوعها ، عاجزا عن الوقوف حتى على حدودها.
فكيف سيتجرأ هذا الإنسان الكليل الضعيف على الاعتداء على الفضاء البعيد الواسع ، فينفي عنه كل أسباب غيبية ، ويجازف في إطلاق " الأسباب المطلقة " التي يفسر بها كل شيء !
وقد بحثنا في كتب علماء الفلك والفضاء ، فلم نجد أحدهم يدعي هذه التفسيرات المطلقة لكل شيء ، بل كلهم يتحدث عن مشاهدات لنشأة تلك الشهب ، لا تتناقض أبدا مع ما ورد في القرآن الكريم .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء السؤال الآتي :
كيف نوفق بين الدين والعلم في أمور ظاهرها التعارض بينهما ، فمثلا عرفنا في الدين : أن النجوم خلقت لثلاثة أشياء : خلقت زينة للسماء ، ورجوما للشياطين ، وجعلت علامات يهتدي بها .
وقرأنا في الجغرافيا : أنها مجموعة أجرام لها نظام معين في الدوران ، وأن ما نشاهده ليلا يحترق ويسقط ، إنما هو نيازك وشهب تخرج من جاذبية إلى جاذبية الأرض ، فتحترق وتسقط بسرعة 45 ميلا في الثانية .
فأجابت :
" إن الذي أنزل القرآن المجيد ، وأوحى إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بشريعة الإسلام : هو الله العليم الحكيم الذي خلق السماوات والأرض ، وخلق كل شيء وسخره لما خلق له ، وعلم ما أودعه فيه من الخصائص والأسرار ، فلا يمكن أن يتناقض ما أخبر به أو شرعه مع ما خلقه وسخره لعباده ، بل كل ذلك متسق ، اتفق فيه خبره وشرعه مع كونه وقدره ، فخبره يطابق الواقع، وتكوينه وتسخيره يصدق مقتضى خبره ، فإن ظن إنسان التعارض بين خبر الله في كتابه ، أو خبر نبيه صلى الله عليه وسلم الثابت بالنقول الصحيحة ، فإنما أُتِيَ من قبل قصور عقله ، أو سوء فهمه وقلة اطلاعه أو تحصيلِه للعلوم الكونية والنصوص الشرعية .
مثال ذلك : ما جاء في كتاب الله تعالى من قوله سبحانه : ( إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ) ( وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ ) ( لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ) ( دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ ) ( إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ) وقوله : ( وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ ) وقوله : ( وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ ) ( وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ ) ( إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ ) وقوله : ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) وقوله : ( وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) وجاء في السنة الصحيحة شيء من ذلك يتفق مع نصوص القرآن في المعنى .
ومن نظر في هذه الأخبار وجدها واضحة في بيان بعض خواص النجوم وفوائدها ، وليس فيها ما يدل على حصر فوائد النجوم ومزاياها في الأمور الثلاثة التي ذكرت فيها ، كما أنه ليس فيها ما يدل على حصر الشهب التي نراها فيما ترجم به الشياطين من شهب النجوم ويرمى به مسترقو السمع منهم ، كما أنه ليس فيها تعرض لشهب أخرى نفيا أو إثباتا ، يعرف ذلك من درس لغة العرب ، وعرف ما في أساليبها من أدوات القصر التي يضمنونها كلامهم لإفادة الحصر والدلالة عليه .
فإذا ثبت في العلوم الكونية أن هناك حجارة وأجراما منتثرة في الجو ، وأنها مجموعات تقع كل مجموعة منها في دائرة جاذبية كوكب أكبر منها ، وأنها إذا انحرفت عن دائرة جاذبية هذا الكوكب ، فبعدت منه وقربت من دائرة جاذبية كوكب آخر : سقطت بسرعة ، وتولد عن احتكاك سطحها بسطوح أخرى شعلة نارية هي الظاهرة الكونية التي تسمى : الشهب إذا ثبت هذا ، فإنه لا يتنافى مع ما جاء في نصوص الشريعة الإسلامية من النصوص التي فيها مجرد الإخبار برجم الشياطين بشهب من النجوم ، إذ من الممكن أن تحدث ظاهرة الشهب من الأمرين ...
أما النيازك التي ذكرها السائل ، فهي عند علماء الجغرافيا رجوم ، إذا سقطت إلى سطح الأرض لا تحترق ولا تتحول إلى رماد ، فليست نوعا من الشهب ، بل نوع من الرجوم مقابل للشهب ، فعلى السائل أن يتثبت في معلوماته ، وأن يتبصر في شؤون دينه ودنياه . ورحم الله امرءا عرف قدره ، ووقف فيما يستشكل عند حدود مستواه .
الشيخ عبد العزيز بن باز – الشيخ عبد الرزاق عفيفي – الشيخ عبد الله بن غديان – الشيخ عبد الله بن قعود " انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة " (1/ 627-629) .
وللمزيد يمكنكم مراجعة الفتاوى الآتية : (145324) ، (180866) .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب