الحمد لله.
أولا :
الصحابي هو: من لقي (أو رأى) النبي صلى الله عليه وسلم وهو مؤمن به ، ومات على ذلك .
فمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو كافر ، ثم أسلم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم: فلا يعد من الصحابة .
وكذا من صحبه ، أو رآه مؤمنا به ، ثم ارتد بعد ذلك ، ولم يعد إلى الإسلام ، فلا يعد من الصحابة .
ينظر : " نزهة النظر " لابن حجر (ص 88- 98) ، " فتح المغيث " للعراقي (ص 343) ، " تدريب الراوي " للسيوطي (2/191) .
ثانيا :
تكلم جماعة من العلماء في عيسى ابن مريم عليه السلام : هل يعد من الصحابة ؛ لأن
تعريف الصحابي ينطبق عليه ، أم لا ؟
فأثبت ذلك طائفة ، ونفاه آخرون .
قال الذهبي رحمه الله في "تجريد أسماء الصحابة" (1/432) : " عيسى بن مريم صحابي
ونبي ؛ فإنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء وسلم عليه ، فهو آخر
الصحابة موتا " انتهى .
وقال السبكي رحمه الله في "الطبقات" (9/ 115):
" قَالَ لي شَيخنَا الذَّهَبِيّ مرّة: من فِي الْأمة أفضل من أبي بكر الصّديق رَضِي
الله عَنهُ بِالْإِجْمَاع ؟
فَقلت: يفيدنا الشَّيْخ ؟
قَالَ: عِيسَى بْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام، فَإِنَّهُ من أمة الْمُصْطَفى صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم ، ينزل على بَاب دمشق، ويأتم فِي صَلَاة الصُّبْح بإمامها،
وَيحكم بِهَذِهِ الشَّرِيعَة " انتهى .
وقال الحافظ رحمه الله في "الإصابة" (4/ 634):
" ذكره الذّهبيّ في "التّجريد" ، مستدركا على من قبله، وألغزه القاضي تاج الدين
السبكي في قصيدته في آخر القواعد له، فقال:
من باتّفاق جميع الخلق أفضل من ... خير الصّحاب أبي بكر ومن عمر
ومن عليّ ومن عثمان وهو فتى ... من أمّة المصطفى المختار من مضر" .
ثم نقل الحافظ عن علاء الدين مغلطاي الحنفي [أحد حفاظ الحديث والمؤرخين توفي سنة 762 ه] أن عيسى بن مريم وغيره من الأنبياء لا يعدون من الصحابة . ثم مال الحافظ ابن حجر إلى عد عيسى ابن مريم فقط من الصحابة دون سائر الأنبياء ، لأنه رفع حيا إلى السماء ، واجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج، وسينزل في آخر الزمان يحكم بشريعة الإسلام ، ثم قال : "فبهذه الثلاث يدخل في تعريف الصحابي، وهو الّذي عوّل عليه الذهبي" انتهى .
ثالثا :
البحث في هذه المسألة إن كان من أجل تحرير تعريف الصحابي وضبط ألفاظه ، فهذا لا بأس
به .
أما إن كان من أجل إثبات الصحبة أو نفيها عن عيسى عليه السلام ، فهذا البحث لا
فائدة من ورائه ، فإن عيسى عليه السلام من أولي العزم من الرسل ، وهي أعلى منزلة
للبشر ، فإثبات الصحبة له لن يزيده رفعة . ولذلك أنكر الشيخ ابن عثيمين هذا القول ،
وهو ظاهر ، فإنه إذا كانت له منزلة أعلى من منزلة الصحبة بالإجماع ، فما وجه التكلف
في عد ذلك .
قال رحمه الله :
"أرى أن هذا من التكلف، كوننا نعد عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام من الصحابة من
التكلف؛ لأن جميع الأنبياء رأوا النبي عليه الصلاة والسلام وسلموا عليه ، يعني: رآه
كثير منهم في ليلة المعراج ، والرسول عرج به بجسده ، ورآهم حقاً ، وكلمهم وكلموه ،
وسلم عليهم وسلموا عليه، فهل نقول: إن آدم صحابي، ويحيى صحابي، وعيسى صحابي، وموسى
صحابي وإبراهيم صحابي؟!
ثم إن وصف عيسى عليه الصلاة والسلام بأنه نبي رسول من أولي العزم أفضل من أن نصفه
بأنه صحابي، هو في غنى عن أن يوصف بأنه صحابي .
أما عيسى بن مريم : فهو مثل الرسول عليه الصلاة والسلام في منزلته ، وإن كان الرسول
أفضل الرسل ، لكنه في منزلة الرسالة ، أقوى من منزلة الصحبة وأفضل ، ولو أردنا أن
نقول هكذا لقلنا: كل من لاقاهم الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليلة المعراج
كلهم صحابة .
أرى: أن هذا من التنطع ومن التكلف " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (96 /34).
والله أعلم .
تعليق