الخميس 18 جمادى الآخرة 1446 - 19 ديسمبر 2024
العربية

صحة حديث ابن عباس عن الأرضين السبع

229594

تاريخ النشر : 07-06-2015

المشاهدات : 426841

السؤال

ما تفسير قوله تعالى في نهاية سورة الطلاق: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا).

ملخص الجواب

هذا الأثر لا يصح عن ابن عباس رضي الله عنهما وعلى تقدير صحته يكون مما أخذه ابن عباس عن أهل الكتاب، ولا حجة في هذا. فلا يصح أن يقال بمقتضى هذا الأثر وهو قول مستنكر لا دليل عليه.

الحمد لله.

تفسير قوله تعالى (الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن)

قال الله تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا الطلاق/ 12.

قال الشيخ السعدي رحمه الله:

“أخبر تعالى أنه خلق الخلق من السماوات السبع ومن فيهن والأرضين السبع ومن فيهن، وما بينهن، وأنزل الأمر، وهو الشرائع والأحكام الدينية التي أوحاها إلى رسله لتذكير العباد ووعظهم، وكذلك الأوامر الكونية والقدرية التي يدبر بها الخلق، كل ذلك لأجل أن يعرفه العباد ويعلموا إحاطة قدرته بالأشياء كلها، وإحاطة علمه بجميع الأشياء فإذا عرفوه بأوصافه المقدسة وأسمائه الحسنى وعبدوه وأحبوه وقاموا بحقه، فهذه الغاية المقصودة من الخلق والأمر معرفة الله وعبادته، فقام بذلك الموفقون من عباد الله الصالحين، وأعرض عن ذلك الظالمون المعرضون”.
انتهى من “تفسير السعدي” (ص 872).

رواية ابن عباس حول الأرضين السبع وأقوال العلماء

روى الطبري في “تفسيره” (23/469)، والحاكم (3822)، والبيهقي في “الأسماء والصفات” (832) عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ قَالَ: “فِي كُلِّ أَرْضٍ مِثْلُ إِبْرَاهِيمَ، وَنَحْوُ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْخَلْقِ”.

وفي لفظ: (سَبْعَ أَرَضِينَ فِي كُلِّ أَرْضٍ نَبِيٌّ كَنَبِيِّكُمْ، وَآدَمُ كآدمَ، وَنُوحٌ كَنُوحٍ، وَإِبْرَاهِيمُ كَإِبْرَاهِيمَ، وَعِيسَى كَعِيسَى).

ثم روى الطبري (23/ 469) عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: ” لو حدثتكم بتفسيرها لكفرتم، وكفركم تكذيبكم بها “.

قال البيهقي: “إِسْنَادُ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا صَحِيحٌ، وَهُوَ شَاذُّ بِمُرَّةَ، لَا أَعْلَمُ لِأَبِي الضُّحَى عَلَيْهِ مُتَابِعًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ” انتهى.

وقال ابن قدامة رحمه الله في “المنتخب” (ص125):
“عن أَحْمَد بْن أَصْرَمَ الْمُزَنِيّ، أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ” نَبِيٌّ كَنَبِيِّكُمْ، وَنُوحٌ كَنُوحِكُمْ، وَآدَمُ كَآدَمَكُمْ”.

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: هَذَا رَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّة َ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، لا يَذْكُرُ هَذَا، إِنَّمَا يَقُولُ: “يَتَنَزَّلُ الْعِلْمُ وَالأَمْرُ بَيْنَهُنَّ “.
وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ اخْتَلَطَ، وَأَنْكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَدِيثَ”.

وقال الذهبي في “كتاب العلو” (ص 75) ما ملخصه:
“رواه الْبَيْهَقِيُّ فِي الصِّفَاتِ، ورُوَاته ثِقَات، وَرُوِيَ عَن عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ مُطَوَّلا بِزِيَادَةٍ، غَيْرَ أَنَّنَا لَا نَعْتَقِدُ أن لذَلِكَ أصلا، فَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: أخبرنَا الْحَاكِم أَنبأَنَا أَحْمد بن يَعْقُوب الثَّقَفِيّ حَدثنَا عُبَيْدُ بْنُ غَنَّامٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَكِيمٍ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ” سبع أَرضين، وَفِي كُلِّ أَرْضٍ نَبِيٌّ كَنَبِيِّكُمْ، وَآدَمُ كَآدَمِكُمْ، وَنُوحٌ كَنُوحٍ، وَإِبْرَاهِيمُ كَإِبْرَاهِيمَ، وَعِيسَى كَعِيسَى”.
شَرِيكٌ وَعَطَاءٌ فِيهِمَا لِينٌ لَا يَبْلُغُ بِهِمَا رَدَّ حَدِيثِهِمَا، وَهَذِهِ بَلِيَّةٌ تُحَيِّرُ السَّامِعَ، كَتَبْتُهَا اسْتِطْرَادًا لِلتَّعَجُّبِ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ: اسْمَعْ وَاسْكُتْ” انتهى.

وقال السيوطي رحمه الله في “الحاوي” (1/ 462):
“هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الحاكم فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ وَقَالَ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَلَكِنَّهُ شَاذٌّ بِمَرَّةٍ، وَهَذَا الْكَلَامُ مِنَ الْبَيْهَقِيِّ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ الْإِسْنَادِ صِحَّةُ الْمَتْنِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَصِحَّ الْإِسْنَادُ وَيَكُونُ فِي الْمَتْنِ شُذُوذٌ أَوْ عِلَّةٌ تَمْنَعُ صِحَّتَهُ، وَإِذَا تَبَيَّنَ ضَعْفُ الْحَدِيثِ أَغْنَى ذَلِكَ عَنْ تَأْوِيلِهِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْمَقَامِ لَا تُقْبَلُ فِيهِ الْأَحَادِيثُ الضَّعِيفَةُ” انتهى.

وقال ابن كثير رحمه الله في “البداية والنهاية” (1/ 42):
“مَا يَذْكُرُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَتَلَقَّاهُ عَنْهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ عُلَمَائِنَا مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ مِنْ تُرَابٍ، وَالَّتِي تَحْتَهَا مِنْ حَدِيدٍ، وَالْأُخْرَى مِنْ حِجَارَةٍ مِنْ كِبْرِيتٍ، وَالْأُخْرَى مِنْ كَذَا. فَكُلُّ هَذَا إِذَا لَمْ يُخْبَرْ بِهِ وَيَصِحَّ سَنَدُهُ إِلَى مَعْصُومٍ فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَى قَائِلِهِ.
وَهَكَذَا الْأَثَرُ الْمَرْوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: ” فِي كُلِّ أَرْضٍ مِنَ الْخَلْقِ مِثْلُ مَا فِي هَذِهِ الْأَرْضِ حَتَّى آدَمَ كَآدَمِكُمْ، وَإِبْرَاهِيمَ كَإِبْرَاهِيمِكُمْ ” فَهَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ مُخْتَصَرًا، وَاسْتَقْصَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ إِنْ صَحَّ نَقْلُهُ عَنْهُ عَلَى أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخَذَهُ عَنِ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ” انتهى.

فهذا الأثر لا يصح عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعلى تقدير صحته: يكون مما أخذه ابن عباس عن أهل الكتاب، ولا حجة في هذا. فلا يصح أن يقال بمقتضى هذا الأثر، وهو قول مستنكر لا دليل عليه.

ولمزيد الفائدة، ينظر هذه الأجوبة: (112059، 114861).

والله تعالى أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب