الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

من كفر بالله فهو في نار جهنم خالدا فيها أبدا

235026

تاريخ النشر : 12-09-2015

المشاهدات : 15626

السؤال

كل شيء في الإسلام تام ومكتمل لأنه من الله تعالى، وعدالة الله لا خلاف حولها. ولكني سمعت كافرا ذات مرة يتحدث عن مسألة خلود الكفار في النار فأثار ذلك فضولا في نفسي للسؤال. لقد قال بأن خلودهم في النار لا ينم عن عدالة، إذ كيف يعاقبون عقابا أبديا بسبب جرم محدود غير أبدي وهو الكفر في الدنيا. والمسلمون يردون على مثل هذه الشبه بقولهم: هم من اختاروا الكفر لأنفسهم. فيرد أولئك: نحن لم نختر شيئاً على الإطلاق، بل وجدنا أنفسنا على هذه الحالة، ولا نعرف حتى وجود شيء اسمه النار. فكيف نرد على شبههم حول هذه المسألة؟ وهي في الحقيقة مسألة ترد على ذهني كثيرا وإن كنت أؤمن إيمانا جازما بأن الله لا يظلم الناس شيئا. فأرجو الشرح والتوضيح.

الجواب

الحمد لله.

أولا :
قد سبق في الموقع الرد على هذه الشبهة ، وأنها من سفسطة الدهريين ، الذين لا يؤمنون بحساب ولا عذاب أصلا ، ولا يؤمن ببعث ولا قيامة ، كما قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله :
“وأما سفسطة الدهريين التي ذكرها – أي : ابن القيم – استطراداً : فقد تولى الله تعالى الجواب عنها في محكم تنزيله ، وهو الذي يعلم المعدوم لو وُجد كيف يكون ، وقد علم في سابق علمه أن الخُبث قد تأصل في أرومة هؤلاء الخبثاء بحيث إنهم لو عُذبوا القدْر من الزمن الذي عصوا الله فيه ثم عادوا إلى الدنيا لعادوا لما يستوجبون به العذاب ، لا يستطيعون غير ذلك ، قال تعالى في سورة الأنعام : ( وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) ” .
ينظر جواب السؤال رقم : (170655) .

ثانيا :
من المعلوم : أن الله تعالى قد خلق الإنسان لعبادته – عز وجل – وخلق للإنسان كل شيء ، فلا ينبغي للإنسان أن يشغل بما خلق له عما خلق من أجله، قال سبحانه وتعالى: ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) الذاريات/56 .
فمهمة الإنسان وغاية وجوده عبادة الله – سبحانه وتعالى – فإن تشاغل الإنسان عنها حق عليه العذاب.
وقد أرسل إلى البشر الأنبياء والمرسلين؛ ليوضحوا للبشرية طريق الهداية : ( رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) النساء/165.
وأخبرهم على لسان رسله : أنه من حاد عن سبيله ، وأشرك بربه : فإن جزاءه جهنم خالدا فيها ، وأنه لا نصيب له في جنة رب العالمين :
( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ) المائدة/72 .
وأخبر أنه لا يسوي بين المحسن والمسيء ، بل هذا من سوء الظن بالله وحكمته :
(أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) ص/28 .
(وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ ) غافر/58 .
وأخبر أنه خص برحمته يوم القيامة أهل الإيمان به ، والتصديق لرسله :
(قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الأعراف/ 156 .
وفي صحيح مسلم (2752) : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ، فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ، وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ، وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا، وَأَخَّرَ اللهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) .
وحينئذ ، فمن كفر ، فقد كفر عن بينة ، واختار لنفسه ذلك المصير الذي حتمه الله على أهل الكفر ، وقد بين الله تعالى له الطريقين ، وهداه السبيلين ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ؛ فاختار هو لنفسه الكفر عن بصيرة ، وهو يعلم أين يذهب به عمله ؛ فأي ظلم لمثل هذا إذا أتى على ربه وقد عانده عمره كله ، ولو أمكنه أن يعانده عمر إبليس ، لما انتهى عن كفره وعناده ، بل بقي على ذلك دهر الداهرين ، كما بقي عليه إمام الفجار ، إبليس اللعين .

ثالثا :

وأما شبهة أن الكفار وجدوا أنفسهم على هذه الحالة ، فيقال فيها :
إن من وجد نفسه على حالة الفقر ، فإنه لا يرضى لنفسه مثل هذه الحجة ، بل يسعى ليكتسب من نعيم الدنيا ورزقها ، ما يرجو به تغيير حاله .
ومن وجد نفسه على حالة المرض ، يسعى لينقل نفسه إلى حال الصحة والعافية .
وهكذا العاقل ، متى وجد نفسه على حالة من الضلالة والغي ، وجب عليه أن يسعى ليخرج نفسه من الظلمات إلى النور ، وأن يتلمس موارد الهدى ، وسبل السلام . وإلا ، فهذه حجة الكفار من جميع الأمم : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ) المائدة/104 .
وقال تعالى : (أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ * بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ * وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ* قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) الزخرف/21-25 .
وحينئذ ، فمن بلغته رسالة الرسول على الوجه الذي تقوم به الحجة عليه : فقد انقطع عذره عند الله ، ولم يبق له حجة بعد ذلك يحتج بها ، بل الواجب عليه أن يتبع الهدى ، أيا ما كان دينه قبل ذلك : ( رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) النساء /165 .
وقال تعالى : ( مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ) الإسراء /15 .
وأما من نشأ بمكان لم تبلغه فيه دعوة الرسول، أو وصلته مشوهة ، لم تتبين محجتها ، ولم تقم بمثلها عليه الحجة ، فهذا أمره إلى الله في الدار الآخرة ، وقد وعد الله تعالى ألا يعذب عباده من غير البلاغ المبين .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” ولا يدخل الجنة إلا أهل التوحيد ، وهم أهل ” لا إله إلا الله ” ؛ فهذا حق الله على كل عبد من عباده ، كما في الصحيحين من حديث : معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (يا معاذ أتدري ما حق الله على عباده؟ قلت: الله ورسوله أعلم قال: حقه عليهم أن يعبدوه لا يشركوا به شيئا) الحديث.
فلا ينجون من عذاب الله إلا من أخلص لله دينه وعبادته ، ودعاه مخلصا له الدين .
ومن لم يشرك به ولم يعبده : فهو معطل عن عبادته وعبادة غيره ، كفرعون وأمثاله ، فهو أسوأ حالا من المشرك؛ فلا بد من عبادة الله وحده ، وهذا واجب على كل أحد ، فلا يسقط عن أحد البتة ، وهو الإسلام العام الذي لا يقبل الله دينا غيره.
ولكن لا يعذب الله أحدا حتى يبعث إليه رسولا ، وكما أنه لا يعذبه ، فلا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة مؤمنة ، ولا يدخلها مشرك ولا مستكبر عن عبادة ربه ؛ فمن لم تبلغه الدعوة في الدنيا امتحن في الآخرة ، ولا يدخل النار إلا من اتبع الشيطان ، فمن لا ذنب له لا يدخل النار ، ولا يعذب الله بالنار أحدا إلا بعد أن يبعث إليه رسولا ؛ فمن لم تبلغه دعوة رسول إليه ، كالصغير والمجنون والميت في الفترة المحضة : فهذا يمتحن في الآخرة ، كما جاءت بذلك الآثار.” . انتهى ، من “مجموع الفتاوى” (14/476-477) .
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (232218) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب