الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

فضائل مكة والمدينة .

السؤال

هل العيش في مدينة رسول الله خير ، أم العيش في مكة المكرمة ؟ وما هي الاختلافات التي تتفاضل بها إحدى المدينتين عن الأخرى ، باستثناء فضل الصلاة في حرميهما ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :
أفضل بقاع الأرض ، من حيث هي في نفسها : مكة ، ثم المدينة .
وأما بالنسبة للأشخاص ، فالأفضل لكل إنسان أن يقيم في البلد التي يزداد فيها إيمانه ، ويكون فيها أكثر طاعة لله تعالى .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” أَفْضَلُ الْأَرْضِ فِي حَقِّ كُلِّ إنْسَانٍ: أَرْضٌ يَكُونُ فِيهَا أَطْوَعَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ ، وَلَا تَتَعَيَّنُ أَرْضٌ يَكُونُ مُقَامُ الْإِنْسَانِ فِيهَا أَفْضَلَ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْأَفْضَلُ فِي حَقِّ كُلِّ إنْسَانٍ بِحَسَبِ التَّقْوَى وَالطَّاعَةِ وَالْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ وَالْحُضُورِ، وَقَدْ كَتَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إلَى سَلْمَانَ: ” هَلُمَّ إلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ ” ؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ سَلْمَانُ: ” إنّ الْأَرْضَ لَا تُقَدِّسُ أَحَدًا، وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ الْعَبْدَ عَمَلُهُ ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (18/ 283) .
وانظر السؤال رقم : (199894) ، والسؤال رقم : (163521).

ثانيا :
تتميز مكة بعدة فضائل عن المدينة وغيرها ، نذكر منها :
– أن الصلاة في المسجد الحرام بمكة خير من مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد ، عدا المسجد النبوي ، الذي تكون الصلاة فيه بألف صلاة .
– تختص مكة بالحج والعمرة والطواف بالبيت واستلام الحجر الأسود والركن اليماني ، والسعي بين الصفا والمروة .
– أن الله تعالى أقسم بها فقال : ( لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ ) البلد/ 1 ، و(لا) في الآية زائدة للتوكيد .
– أن الله تعالى حرم مكة يوم خلق السموات والأرض ، وليس ذلك للمدينة .
– أن تحريم مكة أشد من تحريم المدينة ، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” المدينة محرمة ، ولها حرم ، لكن حرمها دون حرم مكة بكثير، حرم مكة لا يمكن يأتيه أحد من المسلمين ، لم يأته أول مرة ، إلا محرما يجب عليه أن يحرم , والمدينة ليست كذلك .
ـ حرم مكة يحرم حشيشه وشجره مطلقا, وأما حرم المدينة فرخص في بعض شجره للحرث ونحوه .
صيد مكة حرام وفيه الجزاء, وصيد المدينة ليس فيه جزاء .
المهم أن أعظم مكان آمن هو مكة , حتى الأشجار آمنة فيه , وحتى الصيود آمنة فيه ”
انتهى من “لقاء الباب المفتوح” (103 /2) بترقيم الشاملة .

أما المدينة :
– فدار الهجرة ، ومجتمع المهاجرين والأنصار ، ودار الجهاد ، فمنها سيرت الجيوش ، وانطلقت الغزوات والسرايا ، ففتحت البلاد ، وانتشر الدين ، وانقمع الشرك وأهله .
وفيها تنزلت عامة آيات الأحكام والشرائع ، ولما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة ، لم يستقر بها ، وإنما رجع إلى المدينة ، دار هجرته ، وعاش فيها حتى مات ودفن بها .
وروى البخاري (3778) ، ومسلم (1059) عن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قال: ” قَالَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ ، وَأَعْطَى قُرَيْشًا: وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَهُوَ العَجَبُ ، إِنَّ سُيُوفَنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَاءِ قُرَيْشٍ ، وَغَنَائِمُنَا تُرَدُّ عَلَيْهِمْ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا الأَنْصَارَ، قَالَ: فَقَالَ: ( مَا الَّذِي بَلَغَنِي عَنْكُمْ ؟ ) ، وَكَانُوا لاَ يَكْذِبُونَ، فَقَالُوا: هُوَ الَّذِي بَلَغَكَ ، قَالَ: ( أَوَلاَ تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالْغَنَائِمِ إِلَى بُيُوتِهِمْ ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بُيُوتِكُمْ ؟ لَوْ سَلَكَتِ الأَنْصَارُ وَادِيًا، أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَهُمْ) ” .
وروى البخاري (1871) ، ومسلم (1382) عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ القُرَى ، يَقُولُونَ يَثْرِبُ ، وَهِيَ المَدِينَةُ ، تَنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ ) .
قال النووي رحمه الله :
” ذَكَرُوا فِي مَعْنَى أَكْلُهَا الْقُرَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مَرْكَزُ جُيُوشِ الْإِسْلَامِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، فَمِنْهَا فُتِحَتِ الْقُرَى ، وَغُنِمَتْ أَمْوَالُهَا وَسَبَايَاهَا، وَالثَّانِي مَعْنَاهُ: أَنَّ أَكْلَهَا وَمِيرَتَهَا تَكُونُ مِنَ الْقُرَى الْمُفْتَتِحَةِ ، وَإِلَيْهَا تُسَاقُ غَنَائِمُهَا ” انتهى من ” شرح النووي على مسلم” (9/ 154) .
وروى البخاري (1876) ، ومسلم (147) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلَى المَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا) .
يأرز : أَيْ : يَأْوِي وَيَنْضَمُّ وَيَنْقَبِضُ وَيَلْتَجِئُ إِلَيْهَا كما تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا.
“مرقاة المفاتيح” (1/ 243) .
فالمدينة مجمع أهل الإسلام أولَ الأمر وآخره .
قال النووي :
” (يَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ) مَعْنَاهُ : أَنَّ الْإِيمَانَ أَوَّلًا وَآخِرًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ ، لِأَنَّهُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ كَانَ كُلُّ مَنْ خَلَصَ إِيمَانُهُ وَصَحَّ إِسْلَامُهُ أَتَى الْمَدِينَةَ ، إِمَّا مُهَاجِرًا مُسْتَوْطِنًا وَإِمَّا مُتَشَوِّقًا إِلَى رُؤْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُتَعَلِّمًا مِنْهُ وَمُتَقَرِّبًا، ثُمَّ بَعْدَهُ هَكَذَا فِي زَمَنِ الْخُلَفَاءِ كَذَلِكَ ، وَلِأَخْذِ سِيرَةِ الْعَدْلِ مِنْهُمْ وَالِاقْتِدَاءِ بِجُمْهُورِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِيهَا، ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ كَانُوا سُرُجَ الْوَقْتِ وَأَئِمَّةَ الْهُدَى لِأَخْذِ السُّنَنِ الْمُنْتَشِرَةِ بِهَا عَنْهُمْ ، فَكَانَ كُلُّ ثَابِتِ الْإِيمَانِ مُنْشَرِحِ الصَّدْرِ بِهِ يَرْحَلُ إِلَيْهَا ” انتهى من “شرح النووي على مسلم” (2/ 177) .

– ومنها : أن بها المسجد النبوي ، والروضة الشريفة ، وقد روى البخاري (1196) ، ومسلم (1391) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي) .
– ومنها : أن بها وادي العقيق ، وهو واد مبارك ، فروى البخاري (1534) عن ابْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، إِنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: ” سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَادِي العَقِيقِ يَقُولُ: ( أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي، فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الوَادِي المُبَارَكِ ، وَقُلْ: عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ ) .
– ومنها : أنه لا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا أهلكه الله .
فروى البخاري (1877) -واللفظ له- ، ومسلم (1363) عن سعد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: (لاَ يَكِيدُ أَهْلَ المَدِينَةِ أَحَدٌ ، إِلَّا انْمَاعَ كَمَا يَنْمَاعُ المِلْحُ فِي المَاءِ) .
فمن أنعم الله عليه بالعيش بمكة فهنيئا له ، ومن أنعم الله عليه بالعيش بالمدينة فهنيئا له ، ومن أنعم الله عليه بالتقوى – في أي بقعة من أرض الله كان – فهنيئا له.
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب