الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

هل زاردشت كان نبيا ؟

258698

تاريخ النشر : 17-10-2017

المشاهدات : 82970

السؤال

قرأت عن زاردشت وقصته وقصته كالأنبياء أنه ولد ورموه في النار ولم يحدث له شيء وأنهم وضعوه بين ذئاب ولم يحدث شيء وأنه في يوم من الأيام نزلت ملائكة عليه بينما كان واقفا على النهر يتأمل، هل من الممكن ان يكون زاردشت نبياً ؟ وهل الزاردشتية دين سماوي ولكن تم إدخل لها البدع والتخاريف لأنهم يؤمنون بإله خير وإله للشر وهكذا تحولت من دين سماوي إلي دين باطل .

ملخص الجواب

زرادشت لم يصل إلى الناس تاريخه وإنما وصلت ديانته وهي ديانة وثنية وما خالطها مما يشبه ما في الإسلام لا يرجح احتمال نبوته؛ لأن هناك احتمالات عدة لدخول هذه المعتقدات في الزرادشتية؛ ومما يبعد احتمال نبوته أن الوحي يشير إلى أن المجوس ليسوا من أهل الكتاب والزرادشتية كانت المكون الأهم للمجوسية.

الجواب

الحمد لله.

نص القرآن الكريم على أنه ما من أمة إلا قد جاءها نذير .

قال الله تعالى :

( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ) فاطر /24 .

قال ابن كثير رحمه الله تعالى :

" ( وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ) أي: وما من أمة خلت من بني آدم إلا وقد بعث الله إليهم النذر، وأزاح عنهم العلل، كما قال تعالى: ( إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ )، وكما قال تعالى: ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ )، والآيات في هذا كثيرة " انتهى، من "تفسير ابن كثير" (6 / 543) .

ولم يخبرنا الله عز وجل عن جميع الرسل ، بل أخبرنا عن بعضهم فقط.

قال الله تعالى : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ) غافر /78 .

ثانيا :

لكن وجود رسل سابقين لا نعلمهم لا يلزم منه أن نفتح باب احتمال نبوة كل صاحب ديانة اشتملت معتقداته على شيء مما جاء به الإسلام.

فوجود بعض ما يوافق الإسلام في الزرادشتية ، مثلا ، لا يقوي احتمال كون صاحبها نبيا، فاحتمال نبوته ليس أولى من احتمال أنه تعمد تلبيس الحق بالباطل ، وأنه أخذ ما وصله من أنبياء سابقين فنسبه إلى نفسه .

ورد في "تاريخ الطبري" (1 / 540):

" وفي زمان بشتاسب ظهر زرادشت، الذي تزعم المجوس أنه نبيهم، وكان زرادشت- فيما زعم قوم من علماء أهل الكتاب- من أهل فلسطين، خادما لبعض تلامذة إرميا النبي خاصا به، أثيرا عنده، فخانه فكذب عليه، فدعا الله عليه، فبرص فلحق ببلاد أذربيجان، فشرع بها دين المجوسية، ثم خرج منها متوجها نحو بشتاسب، وهو ببلخ، فلما قدم عليه وشرح له دينه أعجبه ، فقسر الناس على الدخول فيه، وقتل في ذلك من رعيته مقتلة عظيمة، ودانوا به " انتهى.

ثم إن حقيقة زرادشت غائبة عنا فلا يُعرف عن حاله إلا القليل، وهذا القليل لا يمكن الثقة به لبعد العهد به، وعدم وجود ما يدل على صدقه، حتى إن بعض الباحثين يرى شخصية زرادشت مجرد شخصية أسطورية لا حقيقة لها؛ فلهذا لا حاجة إلى أن نتكلف الكلام حوله، ويكفينا أن نرى ما ينسب إليه من دين فيحكم عليه.

ودين زرادشتية دين وثني بني على زعم أن هناك إلهين؛ إله للخير وإله للشر .

جاء في "الموسوعة العربية المعاصرة" (17 / 182):

" قام زرادشت الذي عاش خلال الفترة ما بين القرنين الخامس عشر والحادي عشر قبل الميلاد بإدخال تعديلات في عقيدة الفرس المجوسية، التي تعتمد - كما في كتابهم الزندأفستا - على وجود معبودين، أهورامازدا (إله الخير) وأهريمان (إله الشَّر). وقد حث زرادشت النّاس على التمتع بمباهج الحياة المادية وحضهم على الأخلاق الفاضلة لينصروا أهورامازدا، على أهريمان فينصرهم في صراعه الدائم معه.

نشر أتباع زرادشت، تدريجيًا، هذا المعتقد في كل أنحاء فارس" انتهى .

كما تقدس الزرادشتية النار وتتجه إليها في العبادة.

جاء في "الموسوعة العربية" (11 / 545):

" أمر زرادشت أتباعه بالصلاة أمام النار التي هي رمز للنظام والعدل في معتقدهم. وقد يمثلونها بنار دنيوية أو بالشمس أو بالقمر " انتهى.

فهذه الديانة ديانة شركية لا يعلم لها أصلٌ من كتاب سابق، وهذا ما يشير إليه دين الإسلام؛ لأن المجوسية - لما جاء الإسلام – كان من أهم مكوناتها الزرادشتية. ولم يشر الوحي إلى أنهم من أهل الكتاب رغم الحاجة إلى معرفة ذلك.

قال ابن المنذر رحمه الله تعالى:

" فالجزية يجب أخذها من المجوس للأخبار التي جاءت في ذلك، ولأني لا أعلم في ذلك اختلافاً، ولا يصح أن المجوس أهل الكتاب، لأني لا أعلم حجة تدل عليه، وإنما أخذت الجزية منهم لأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولفعل الخلفاء بعده" انتهى، من "الإشراف" (4 / 40).

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" والجزية قد أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم من المجوس ، وهم عباد النار لا فرق بينهم وبين عبدة الأوثان، ولا يصح أنهم من أهل الكتاب، ولا كان لهم كتاب، ولو كانوا أهل كتاب عند الصحابة رضي الله عنهم ، لم يتوقف عمر رضي الله عنه في أمرهم، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم : ( سنوا بهم سنة أهل الكتاب )، بل هذا يدل على أنهم ليسوا أهل كتاب .

وقد ذكر الله سبحانه أهل الكتاب في القرآن في غير موضع، وذكر الأنبياء الذين أنزل عليهم الكتب والشرائع العظام ، ولم يذكر للمجوس - مع أنها أمة عظيمة ، من أعظم الأمم شوكة وعددا وبأسا - كتابا ولا نبيا، ولا أشار إلى ذلك، بل القرآن يدل على خلافه كما تقدم " انتهى. "أحكام أهل الذمة" (1 / 89 - 90) .

وقد استخرج بعض أهل العلم من القرآن ما يشير إلى أنهم ليسوا من أهل الكتاب .

لأن الله تعالى لما ذكر أنه سيفصل بين أتباع الأديان يوم القيامة ، ذكر المجوس بينهم .

قال الله تعالى:

( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) الحج /17.

لكن؛ لما ذكر من سُيجزى على إيمانه وعمله للصالحات ، لم يذكر المجوس من ضمنهم ، وهذا فيه إشارة إلى أنهم لم يكونوا في أي وقت من الأوقات على الحق.

قال الله تعالى:

( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) البقرة /62.

وقال الله تعالى:

( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) المائدة /69.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية :

"فَذَكَرَ الْمِلَلَ السِّتَّ [يعني : في سورة الحج] ، وَذَكَرَ أَنَّهُ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلَمَّا ذَكَرَ الْمِلَلَ الَّتِي فِيهَا سَعِيدٌ فِي الْآخِرَةِ قَالَ: (إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا) فِي مَوْضِعَيْنِ ، فَلَمْ يَذْكُرْ الْمَجُوسَ وَلَا الْمُشْرِكِينَ ؛ فَلَوْ كَانَ فِي هَاتَيْنِ الْمِلَّتَيْنِ سَعِيدٌ فِي الْآخِرَةِ ، كَمَا فِي الصَّابِئِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى : لَذَكَرَهُمْ .

فَلَوْ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ ، لَكَانُوا قَبْلَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ عَلَى هُدًى؛ وَكَانُوا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إذَا عَمِلُوا بِشَرِيعَتِهِمْ ، كَمَا كَانَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قَبْلَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ ، فَلَمَّا لَمْ يَذْكُرْ الْمَجُوسَ فِي هَؤُلَاءِ ، عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ كِتَابٌ؛ بَلْ ذَكَرَ الصَّابِئِينَ دُونَهُمْ ، مَعَ أَنَّ الصَّابِئِينَ لَيْسَ لَهُمْ كِتَابٌ ، إلَّا أَنْ يَدْخُلُوا فِي دِينِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ. وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَجُوسَ أَبْعَدُ عَنْ الْكِتَابِ مِنْهُمْ" انتهى من "مجموع الفتاوى" (32/188) .

فالحاصل؛ أن زرادشت لم يصل إلى الناس تاريخه على وجه يوثق به ، وإنما وصلت ديانته ، وهي ديانة وثنية ، وما خالطها مما يشبه ما في الإسلام لا يرجح احتمال نبوته؛ لأن هناك احتمالات عدة لدخول هذه المعتقدات في الزرادشتية .

ومما يبعد احتمال نبوته أن الوحي يشير إلى أن المجوس ليسوا من أهل الكتاب ، والزرادشتية كانت المكون الأهم للمجوسية.

وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (241787).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب